الصبيان. وجاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بني كنانة فعدت عليه قيس وقتلوه وأخذوا الهدية، فنشأت الفتنة بين كنانة وقيس لأجل ذلك وكانت بينهما حرب الفجّار عشرين سنة وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرا كان ينبل على أعمامه. ثم هلك أنوشروان لثمان وأربعين من دولته وملك ابنه هرمز.
قال هشام: وكان عادلا حتى لقد أنصف من نفسه خصيّا كان له، وكانت له خؤلة في الترك وكان مع ذلك يقتل الأشراف والعلماء، وزحف إليه ملك الترك شبّابة في ثلاثمائة ألف مقاتل، فسار هرمز إلى هراة وباذغيس لحربهم، وخالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق، وملك الخزر الى الباب والأبواب، وجموع العرب إلى شاطئ الفرات. فعاثوا في البلاد ونهبوا واكتنفته الأعداء من كل جانب، وبعث قائده بهرام صاحب الريّ إلى لقاء الترك، وأقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة وباذغيس، وقاتل بهرام الترك وقتل ملكهم شبّابة بسهم أصابه واستباح معسكره وأقام بمكانه.
فزحف إليه برمومة بن شبّابة بالترك فهزمه بهرام وحاصره في بعض الحصون حتى استسلم وبعث به الى هرمز أسيرا، وبعث معه بالأموال والجواهر والآنية والسلاح وسائر الأمتعة يقال في مائتين وخمسين ألفا من الأحمال، فوقع ذلك من هرمز أحسن المواقع. وغصّ أهل الدولة ببهرام وفعله فأكثروا فيه السعاية وبلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه فداخل من كان معه من المرازبة وخلعوا هرمز، ودعوا لابنه أبرويز وداخلهم في ذلك أهل الدولة، فلحق أبرويز بأذربيجان خائفا على نفسه، واجتمع إليه المرازبة والأصبهبذيّون فملكوه. ووثب بالمدائن الأشراف والعظماء ونفدويه وبسطام خال أبرويز فخلعوا هرمز وحبسوه تحرّزا من قتله.
وأقبل أبرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك، ثم نظر في أمر بهرام وتحرّز منه وسار إليه وتوافقا بشط النهروان [١] ، ودعاه أبرويز إلى الدخول في أمره ويشترط ما أحب، فلم يقبل ذلك وناجزه الحرب فهزمه. ثم عاود الحرب مرارا وأحس أبرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزما، وعرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها. وكان أبوه محبوسا بطبسون فأخبره الخبر وشاوره فأشار عليه بقصد موريق ملك الروم يستجيشه، فمضى لذلك ونزل المدائن لاثنتي عشرة سنة من ملكه.