هشام ردّت كنائس الملكيّة من أيدي اليعاقبة، وولي عليهم بطرك قريبا من مائة سنة، وكانت رياسة البطرك فيها لليعاقبة وكانوا يبعثون الأساقفة للنواحي، ثم صارت النوبة من ورائهم للحبشة يعاقبة.
ثم ملك بالقسطنطينية رجل من غير بيت الملك اسمه جرجس، فبقي أيام السفّاح والمنصور وأمره مضطرب، ثم مات وملك بعده قسطنطين بن لاون وبنى المدن وأسكنها أهل أرمينية وغيرها. ثم مات قسطنطين بن لاون وملك ابنه لاون، ثم هلك لاون وملك بعده نقفور.
وفي سنة سبع وثمانين ومائة غزا الرشيد هرقلة ودوّخ جهاتها، وصالحه نقفور ملك الروم على الجزية فرجع إلى الرقة وأقام شاتيا وقد كلب البرد، وأمن نقفور من رجوعهم فانتقض، فعاد إلى الرشيد وأناخ عليه حتى قرّر الموادعة والجزية عليه ورجع.
ودخلت عساكر الصائفة بعدها من درب الصفصاق فدوّخوا أرض الروم، وجمع نقفور ولقيهم فكانت عليه هزيمة شنعاء قتل فيها أربعون ألفا ونجا نقفور جريحا. وفي سنة تسعين ومائة دخل الرشيد بالصائفة إلى بلاد الروم في مائة وخمسة وثلاثين ألفا سوى المطوّعة، وبث السرايا في الجهات، وأناخ على هرقلة ففتحها، وبلغ سبيها ستة عشر ألفا، وبعث نقفور بالجزية فقبل وشرط عليهم أن لا يعمر هرقلة.
وهلك نقفور في خلافة الأمين وولي ابنه أستبران قيصر، وغزا المأمون سنة خمس عشرة ومائتين إلى بلاد الروم ففتح حصونا عدّة ورجع إلى دمشق. ثم بلغه أنّ ملك الروم غزا طرسوس والمصيصة وقتل منها نحوا من ألف وستمائة رجل، فرجع وأناخ على أنطواغوا حتى فتحها صلحا، وبعث المعتصم ففتح ثلاثين من حصون الروم، وبعث يحيى بن أكثم بالعساكر فدوّخ أرضهم، ورجع المأمون إلى دمشق. ثم دخل بلاد الروم وأناخ على مدينة لؤلؤة مائة يوم وجهّز إليها العساكر مع عجيف مولاه، ورجع ملك الروم فنازل عجيفا، فأمدّه المأمون بالعسكر فرحل عنه ملك الروم وافتتح لؤلؤة صلحا. ثم سار المأمون إلى بلاد الروم ففتح سلعوس والبروة وبعث ابنه العبّاس بالعساكر فدوّخ أرضهم وبنى مدينة الطوليّة ميلاد في ميل وجعل لها أربعة أبواب. ثم دخل غازيا بلاد الروم ومات في غزاته سنة ثمان عشرة ومائتين. وفي أيامه غلب قسطنطين على مملكة الروم وطرد ابن نقفور عنها، وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين فتح المعتصم عمّورية وقصّتها معروفة في أخباره. أهـ كلام ابن العميد. وأغفلنا من