لعصرهم، فاستحق بذلك أن يكون جيلا منفردا عن الأوّل، وطبقة مباينة للطباق السالفة. ولما لم يكن لهم أثر في إنشاء العروبيّة كما للعرب العاربة، ولا في لغتها عنهم كما في المستعربة، وكانوا تبعا لمن تبعهم في سائر أحوالهم استحقوا التسمية بالعرب التابعة للعرب. واستمرت الرئاسة والملك في هذه الطبقة اليمانية أزمنة وآمادا بما كانت صبغتها لهم من قبل وأحياء مضر وربيعة تبعا لهم، فكان الملك بالحيرة للخم في بني المنذر، وبالشام لغسّان في بني جفنة، وبيثرب كذلك في الأوس والخزرج ابني قيلة. وما سوى هؤلاء من العرب فكانوا ظواعن بادية وأحياء ناجعة، وكانت في بعضهم رياسة بدوية وراجعة في الغالب إلى أحد هؤلاء، ثم نبضت عروق الملك في مضر وظهرت قريش على مكة ونواحي الحجاز أزمنة عرف فيها منهم ودانت الدول بتعظيمهم. ثم صبح الإسلام أهل هذا الجيل وأمرهم على ما ذكرناه فاستحالت صبغة الملك إليهم، وعادت الدول لمضر من بينهم، واختصت كرامة الله بالنّبوّة بهم، فكانت فيهم الدول الإسلامية كلّها، إلّا بعضا من دولها قام بها العجم اقتداء بالملّة وتمهيدا للدّعوة حسبما نذكر ذلك كله.
فلنأت الآن بذكر قبائل هذه الطبقة من قحطان وعدنان وقضاعة، وما كان لكل واحدة منها من الملك قبل الإسلام وبعده: ومن كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني في أخبار خزيمة بن نهد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة قال: كان بدء تفرّق بني إسماعيل من تهامة ونزوعهم عنها إلى الآفاق وخروج من خرج منهم عن نسبه، أنّ قضاعة كانوا مجاورين لنزار وكان خزيمة بن نهد فاسقا متعرّضا للنساء، فشبب بفاطمة بنت يذكر وهو عامر بن عنزة، وذكرها في شعره حيث يقول:
إذا الجوزاء أردفت الثريا ... ظننت بآل فاطمة الظنونا
وحالت دون ذلك من هموم ... هموم تخرج الشجر الربينا
أري ابنة يذكر ظعنت فحلّت ... جنوب الحزن يا شحطا مبينا
وسخط ذلك يذكر خشية خزيمة على نفسه فاغتاله وقتله، وانطفت نار يذكر ولم يصح على خزيمة شيء تتوجه به المطالبة على قضاعة حتى قال في شعره:
فاه كان عند رضاب العصير ... ففيها يعلّ به الزنجبيل