الخوارق كرامة فرارا من الالتباس بالنّبوءة عند التّحدّي بالولاية وقد أريناك المغايرة بينهما وإنّه يتحدّى بغير ما يتحدّى به النّبيّ فلا لبس على أنّ النّقل عن الأستاذ في ذلك ليس صريحا وربّما حمل على إنكار لأن تقع خوارق الأنبياء لهم بناء على اختصاص كل من الفريقين بخوارقه. وأمّا المعتزلة فالمانع من وقوع الكرامة عندهم أنّ الخوارق ليست من أفعال العباد وأفعالهم معتادة فلا فرق وأمّا وقوعها على يد الكاذب تلبيسا فهو محال أمّا عند الأشعريّة فلأنّ صفة نفس المعجزة التّصديق والهداية فلو وقعت بخلاف ذلك انقلب الدّليل شبهة والهداية ضلالة والتّصديق كذبا واستحالت الحقائق وانقلبت صفات النّفس وما يلزم من فرض وقوعه المحال لا يكون ممكنا وأمّا عند المعتزلة فلأنّ وقوع الدّليل شبهة والهداية ضلالة قبيح فلا يقع من الله. وأمّا الحكماء فالخارق عندهم من فعل النّبيّ ولو كان في غير محلّ القدرة بناء على مذهبهم في الإيجاب الذّاتيّ ووقوع الحوادث بعضها عن بعض متوقّف على الأسباب والشّروط الحادثة مستندة أخيرا إلى الواجب الفاعل بالذّات لا بالاختيار وإنّ النّفس النّبويّة عندهم لها خواصّ ذاتيّة منها صدور هذه الخوارق بقدرته وطاعة العناصر له في التّكوين والنبيّ عندهم مجبول على التّصريف [١] في الأكوان مهما توجّه إليها واستجمع لها بما جعل الله له من ذلك والخارق عندهم يقع للنّبيّ سواء كان للتّحدّي أم لم يكن وهو شاهد بصدقة من حيث دلالته على تصرّف النّبيّ في الأكوان الّذي هو من خواصّ النّفس النّبويّة لا بأنّه يتنزّل منزلة القول الصّريح بالتّصديق فلذلك لا تكون دلالتها عندهم قطعيّة كما هي عند المتكلّمين ولا يكون التّحدّي جزأ من المعجزة ولم يصحّ فارقا لها عن السّحر والكرامة وفارقها عندهم عن السّحر أنّ النّبي مجبول على أفعال الخير مصروف عن أفعال الشّرّ فلا يلمّ الشّرّ بخوارقه والسّاحر على الضّدّ فأفعاله كلّها شرّ وفي مقاصد الشّرّ وفارقها عن الكرامة أنّ خوارق النّبيّ مخصوصة