للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة من سائر جهاتها قريبة عهد ببداوة العروبيّة وسذاجة [١] الدّين البعيدة عن عوائد التّرف ومراتع الفواحش فأين يطلب الصّون والعفاف إذا ذهب عنها أو أين توجد الطّهارة والذّكاء [٢] إذا فقدا من بيتها أو كيف تلحم نسبها بجعفر بن يحيى وتدنّس شرفها العربيّ بمولى من موالي العجم بملكة جدّه من الفرس أو بولاء جدّها من عمومة الرّسول وأشراف قريش وغايته أن جذبت دولتهم بضبعه وضبع أبيه واستخلصتهم ورقّتهم إلى منازل الأشراف وكيف يسوغ من الرّشيد أن يصهر إلى موالي الأعاجم على بعد همّته وعظم آبائه ولو نظر المتأمّل في ذلك نظر المنصف وقاس العبّاسة بابنة ملك من عظماء ملوك زمانه لاستنكف لها عن مثله مع مولى من موالي دولتها وفي سلطان قومها واستنكره ولجّ في تكذيبه وأين قدر العبّاسة والرّشيد من الناس.

وإنّما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدّولة واحتجافهم [٣] أموال الجباية حتّى كان الرّشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل إليه فغلبوه على أمره وشاركوه في سلطانه ولم يكن له معهم تصرّف في أمور ملكه فعظمت آثارهم وبعد صيتهم وعمّروا مراتب الدّولة وخططها [٤] بالرّؤساء من ولدهم وصنائعهم واحتازوها عمّن سواهم من وزارة وكتابة وقيادة وحجابة وسيف وقلم. يقال إنّه كان بدار الرّشيد من ولد يحيى بن خالد خمسة وعشرون رئيسا من بين صاحب سيف وصاحب قلم زاحموا فيها أهل الدّولة بالمناكب ودفعوهم عنها بالرّاح لمكان أبيهم يحيى من كفالة هارون وليّ عهد وخليفة حتّى شبّ في حجره ودرج


[١] بمعنى الوضع الصحيح الطبيعي الّذي لم تشبه شائبة (قاموس) .
[٢] في جميع النسخ المطبوعة الذكاء بالذال، وفي النسخة الباريسية المخطوطة، الزكاء بالزين وهو الأصح بمعنى الصلاح.
[٣] احتجف الشيء: استخلصه وحازه. والأصح استعمال كلمة احتجانهم، واحتجن الشيء أي جذبه، ولكن ابن خلدون يتعمد استعمال الكلمات الفريدة.
[٤] جمع خطة بضم الخاء وهي بمعنى الأمر، واما بالكسر كما أوردها محقق لجنة البيان العربيّ بمعنى «المكان المختط لعمارة: فليس لها معنى في هذا المقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>