للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببطرة سلطان الإفرنجة الأعظم في ناحية الشمال من وراء جزيرة الأندلس، وهو صاحب جزيرة أركبلطرة وتسمّى بنسر غالس، وفد عليه صريخا وزوّجه بنته، فبعث ابنه لنصره في أمم الإفرنج. وانهزم ألفنش أمامهم، وارتجع بطرة البلاد حتى إذا رجعت عساكر الإفرنجة، رجع ألفنش فارتجع [١] البلاد ثانيا وحاصر أخاه بطرة في بعض حصون جلّيقة حتى أخذه وقتله واستولى على ملكهم. واغتنم السلطان صاحب غرناطة شغلهم بهذه الفتنة فاعتزّ عليهم، ومنع الجزية التي كانوا يأخذونها من المسلمين منذ عهد سلفه فأقاموا من لدن سنة اثنتين وسبعين لا يعطونهم شيئا.

واستمرّ على ذلك وسما إلى مطالبتهم بنسر غالس ملك الفرنجة من ورائهم الّذي جاء لنصر بطرة، وأنكحه بطرة ابنته، وولدت له ولدا فزعم أبوه هذا الملك أنه أحق بالملك من ألفنش وغيره على عادة العجم في تمليك الأسباط من ولد البطن. وطالت الحرب بينهما ونزل بالجلالقة من ذلك شغل شاغل، واقتطع الكثير من ثغورهم وبلادهم، فمنعهم ابن الأحمر الجزية واعتزّ عليهم كما ذكرناه، والحال على ذلك لهذا العهد. وأمّا ملوك المغرب فإن السلطان عبد العزيز بن السلطان أبي الحسن لما استبدّ بملكه واستفحل أمره، وكان عبد الرحمن بن أبي يغلوسن مقدّما على الغزاة بالأندلس كما قلناه، وهو قسيمه في النسب ومرادفه في الترشيح للملك، فعثر السلطان عبد العزيز على مكاتبة بينه وبين أهل دولته، فارتاب وبعث إلى ابن الأحمر في حبسه فحبسه، وحبس معه الأمير مسعود بن ماسي لكثرة خوضه في الفتنة، ومكاتبته لأهل الدولة. فلما توفي السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين وبويع ابنه محمد السعيد يافعا وكفله وزير أبيه أبو بكر بن غازي الثائر أطلق ابن الأحمر عبد الرحمن بن أبي يغلوسن من محبسه فنقم ذلك عليه الوزير أبو بكر كافل الدولة بالمغرب، واعتزم على بعث الرؤساء من قرابة ابن الأحمر إلى الأندلس لمنازعته، ومدّه بالمال والجيش. وبلغ ذلك ابن الأحمر فعاجله عنه وسار في العساكر إلى فرضة المجاز، ونازل جبل الفتح، ومعه ابن يغلوسن وابن ماسي، وأركبهما السفن فنزلوا ببلاد بطرة فاضطرب المغرب، واشتدّ الحصار على أهل جبل الفتح، واستأمنوا لابن الأحمر وأطاعوه. وكان بسبتة محمد بن عثمان بن الكاس صهر أبي بكر بن غازي وقريبه بعثه


[١] بمعنى استعاد والأصح أن يقول واسترجع البلاد ثانيا.
ابن خلدون م ١٥ ج ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>