لضبط المراسي عند ما نزل ابن الأحمر على الجبل، وبطنجة يومئذ جماعة من ولد السلطان أبي الحسن المرشحين محبوسون منذ عهد عبد العزيز، فوقعت المراسلة من السلطان ابن الأحمر ومحمد بن عثمان، ونكر عليه مبايعتهم لولد صغير لم يراهق.
وأشار ببيعة واحد من أولئك المرشّحين المحبوسين بطنجة، ووعده بالمظاهرة والمدد بالمال والجيش، ووقع اختيار محمد بن عثمان على السلطان أبي العبّاس أحمد، فأخرجه وبايع له. وقد كان أولئك الفتية تعاهدوا في محبسهم أنّ من استولى منهم على الملك أطلق الباقين منهم، فوفّى لهم السلطان أبو العبّاس لأوّل بيعته، وأطلقهم من المحبس، وبعثهم إلى الأندلس، ونزلوا على السلطان ابن الأحمر فأكرمهم وجعلهم لنظره. وبعث بالأموال والعساكر للسلطان أبي العبّاس ولوزيره محمد بن عثمان، وكتب إلى عبد الرحمن بن أبي يغلوسن بموافقتهما واجتماعهما على الأمر، فساروا جميعا ونازلوا دار الملك بفاس حتى استأمن ابو بكر بن غازي للسلطان أبي العبّاس، وأمكنه من البلد الجديد دار الملك فدخلها في محرّم سنة ست وسبعين. وشيّع عبد الرحمن بن أبي يغلوسن إلى مراكش وأعمالها وسوّغ له ملكها كما كان الوفاق بينهما من قبل. وبعث بالسعيد بن عبد العزيز المنصوب، واتصلت الموالاة والمهاداة بينه وبين ابن الأحمر، وانتقض ما بينه وبين عبد الرحمن صاحب مراكش، ونهض مرارا، وحاصره وابن الأحمر يمدّه تارة ويسعى بينهما في الصلح أخرى، إلى أن نهض إليه سنة أربع وثمانين وحاصره شهرا، واقتحم عليه حصنه عنوة وقتله ورجع إلى فاس.
ثم نهض. الى تلمسان، وهرب صاحبها أبو أحمد سلطان بني عبد الواد، ودخل السلطان أبو العبّاس تلمسان. وكان جماعة من سماسرة الفتن قد سعوا ما بينه وبين السلطان ابن الأحمر بالفساد حتى أوغروا صدره، وحملوه على نقض دولة السلطان أبي العبّاس ببعض الأعياص الذين عنده، فاختار من أولئك الفتية الذين نزلوا عليه من طنجة موسى ابن السلطان أبي عنّان، واستوزر له مسعود بن ماسي، وركب السفن معه إلى سبتة فبادر أهلها بطاعة موسى، وأتوه ببيعتهم، وارتحل عنهم إلى فاس وملك السلطان ابن الأحمر سبتة، وصارت في دعوته، وعمد السلطان موسى إلى دار الملك بفاس فوقف عليها يوما، واستأمنوا له آخر النهار فدخلها سنة ست وثمانين، وأصبح جالسا على سرير ملكه. وطار الخبر إلى السلطان أبي العبّاس، وقد ارتحل من تلمسان لقصد أبي حبو وبني عبد الواد بمكانهم من دار الملك فكرّ راجعا،