للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى القلاع والحصون. ثم ترهب زهير بعدها وقفل إلى المشرق فاستشهد ببرقة كما ذكرناه. واضطرمت إفريقية نارا وافترق أمر البربر وتعدد سلطانهم في رؤسائهم. وكان من أعظمهم شأنا يومئذ الكاهنة دهيا بنت ماتية [١] بن تيفان ملكة جبل أوراس وقومها من جراوة ملوك البتر، وزعمائهم فبعث عبد الملك إلى حسان بن النعمان الغساني عامله على مصر ان يخرج إلى جهاد إفريقية، وبعث إليه بالمدد، فزحف إليها سنة تسع وسبعين ودخل القيروان وغزا قرطاجنة وافتتحها عنوة، وذهب من كان بقي بها من الإفرنجة إلى صقلّيّة وإلى الأندلس.

ثم سأل عن أعظم ملوك البربر فدلوه على الكاهنة وقومها جراوة فمضى إليها حتى نزل وادي مسكيانة. وزحفت إليه فاقتتلوا قتالا شديدا. ثم انهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير وأسر خالد بن يزيد القيسي. ولم تزل الكاهنة والبربر في اتباع حسان والعرب حتى أخرجوهم من عمل قابس، ولحق حسان بعمل طرابلس. ولقيه كتاب عبد الملك بالمقام فأقام وبنى قصوره وتعرف لهذا العهد به. ثم رجعت الكاهنة إلى مكانها واتخذت عهدا عند أسيرها خالد بالرضاع مع ابنتها [٢] . وأقامت في سلطان إفريقية والبربر خمس سنين. ثم بعث عبد الملك إلى حسان بالمدد، فرجع إلى إفريقية سنة أربع وسبعين، وخربت الكاهنة جميع المدن والضياع، وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا في قرى متصلة.

وشق ذلك على البربر فاستأمنوا لحسان فأمنهم ووجد السبيل إلى تفريق أمرها، وزحف إليها وهي في جموعها من البربر فانهزموا، وقتلت الكاهنة بمكان السر المعروف بها لهذا العهد بجبل أوراس. واستأمن إليه البربر على الإسلام والطاعة وعلى أن يكون منهم اثنا عشر ألفا مجاهدين معه، فأجابوا وأسلموا وحسن إسلامهم، وعقد للأكبر من ولد الكاهنة على قومهم من جراوة [٣] وعلى جبل أوراس فقالوا: لزمنا الطاعة له سبقناها إليها وبايعناه عليها [٤] . وأشارت عليهم بذلك لإثارة من علم كانت لديها بذلك من شياطينها وانصرف حسان إلى القيروان فدون الدواوين وصالح من


[١] وفي النسخة التونسية: ثابتة.
[٢] وفي نسخة أخرى: ابنيها.
[٣] وفي النسخة التونسية: هوارة وبعض الأحيان جراوة.
[٤] وفي النسخة التونسية: لطاعة سبقا بها إليه بإيعاز أمهما واشارتها عليهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>