الإفريقي روميّ الأصل ومولى العرب، كان مقدم الصفرية من الخوارج في انتحال مذهبهم، فقام بأمرهم مدة وبايع ميسرة لنفسه بالخلافة داعيا إلى نحلته من الخارجية على مذهب الصفرية. ثم ساءت سيرته فنقم عليه البربر ما جاء به فقتلوه وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتي.
(قال ابن عبد الحكم) هو من هتورة إحدى بطون زناتة فقام بأمرهم، وزحف إلى العرب وسرح إليهم عبد الله بن الحجاب العساكر في مقدمته ومعهم خالد بن أبي حبيب فالتقوا بوادي شلف، وانهزم العرب وقتل خالد بن أبي حبيب ومن معه وسميت وقعة الأسراب وانتقضت البلاد ومرج أمر الناس، وبلغ الخبر هشام بن عبد الملك فعزل ابن حجاب وولى كلثوم بن عياض القشيري سنة ثلاث وعشرين وسرحه في اثني عشر ألفا من أهل الشام. وكتب إلى ثغور مصر وبرقة وطرابلس أن يمدوه، فخرج إلى إفريقية والمغرب حتى بلغ وادي طنجة وهو وادي سبس فزحف إليه خالد ابن حميد الزناتي فيمن معه من البربر، وكانوا خلقا لا يحصى. ولقوا كلثوم بن عياض من بعد أن هزموا مقدمته فاشتد القتال بينهم، وقتل كلثوم وأضرمت العساكر فمضى أهل الشام إلى الأندلس مع فلح بن بشر القشيري ومضى أهل مصر وإفريقية إلى القيروان.
وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك فبعث حنظلة بن سفيان الكلبي فقدم القيروان سنة أربع وعشرين وأربعمائة [١] وهوارة يومئذ خوارج على الدولة، منهم عكاشة بن أيوب وعبد الواحد بن يزيد في قومهما، فثارت هوارة ومن تبعهم من البربر فهزمهم حنظلة بن المعز بظاهر القيروان بعد قتال شديد. وقتل عبد الواحد الهواري وأخذ عكاشة أسيرا، وأحصيت القتلى في هذه الوقيعة فكانوا مائة وثمانين ألفا. وكتب بذلك حنظلة إلى هشام وسمعها الليث بن سعد فقال: ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة بدر أحب إلى من غزوة القرن والأصنام.
ثم خفت صوت الخلافة بالمشرق والتاث أمرها لما كان من بني أمية من الفتنة، وما كان من أمر الشيعة والخوارج مع مروان. وأقضى الأمر إلى الإدالة ببني العباس من بني أمية وأجاز البحر عبد الرحمن بن حبيب من الأندلس إلى إفريقية فملكها وغلب
[١] الصحيح سنة اربع وعشرين ومائة وهذا الخطأ راجع في الأغلب الى الناسخ.