ثم ان الطاغية تكالب على بلاد المسلمين وراء البحر، وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليطلة، وبها القادر بن يحيى بن ذي النون حتى نالهم الجهد، وتسلّمها منه صلحا سنة ثمان وسبعين وأربعمائة على أن يملّكه بلنسية، فبعث معه عسكرا من النصرانية فدخل بلنسية وتملّكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليطلة. وسار الطاغية في بلاد الأندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف، وأعيا أمره أهل الأندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها.
ثم نازل سرقسطة وضيّق على ابن هود بها، وطال مقامه وامتدّ أمله إلى تملّكها، فخاطب المعتمد بن عبّاد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منجزا وعده في صريخ الإسلام بالعدوة وجهاد الطاغية.
وكاتبه أهل الأندلس كافة من العلماء والخاصّة فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز، فنازلها برّا، وأحاطت بها أساطيل ابن عبّاد بحرا فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين وأربعمائة وتقبّض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبرا، وكتب إلى أبيه بالفتح. ثم أجاز ابن عبّاد البحر في جماعته والمرابطين، ولقيه بفاس مستنفرا للجهاد، وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضراء لتكون رباطا لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ولقيه المعتمد بن عبّاد وابن الأفطس صاحب بطليوس. وجمع ابن أدفونس [١] ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله، ولقي المرابطين بالزلّاقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكرا بالإشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيرة، ويعرف أبوه بالحاج، وكان محمد من بطانته وأعاظم قوّاد تكاليب الطاغية على شرق الأندلس، ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئا، فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة. وخلع ابن رشيق صاحب مرسية، وتمادى إلى دانية ففرّ عليّ بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغريا بالقادر بن ذي النون، فأنفذ معه
[١] ألفونس: قبائل المغرب/ ١٢٤. وأذفونش عند ابن الأثير ج ١٠/ ١٥٢.