للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحكمته ويغتبط بها متى يتبع جملته، الباحث الحكيم ولا يشعر بشعره إذا تصفّح نعوته الشاعر العليم، وينشد طبعه في الحين والوقت والحزّة ويخرج الحروف من مخارج الهمزة.

شهدت لقد أوتيت جامع فضله ... وأنت على علمي بذاك شهيد

ولو طلبت في الغيب منك سجيّة ... لقد فرّ [١] موجود وعزّ وجود

أدام الله له المجد الّذي يسلك به على النجدين، وحفظ عليه مقامه الّذي لا يحتقر فيه إلّا جوهر النقدين، وبسط له في العلم والقدرة، وبارك له في نصيب النصرة، وجهّز به العسرة، وردّ به على الشرك والفتن الكرّة، وعرفه في كل ما يعتزمه صعا جميلا، ولطفا خفيا جليلا. وكفاه الشرّ المحض وخير الشرين، كما كشف له عن الخير المحض وعلم السريّن، وأيّده بروح منه في السّر والسريرة، وحفظه في حركاته وسكناته من الصغيرة والكبيرة. وجعل كلمته غالبة للضد والجند، وبلغ صيته الجزائر والبربر، ثم الى السند والهند. وخلّد ملكه وسلّم فلكه، ورفعه على أوج المجد بحدّه الطويل العريض. وأهبط عدوّه من الشرف الأعلى إلى الحضيض.

وفتح الله به باب الفتح في المشرق والمغرب بعد فتح الثغور، وشرح بنصره وفتحه أوساط الصدور، وما استنبطته الضمائر من نفثات الصدور وجبر به كسر الظفر، ووصل به ما انقطع من الأسباب. وعصم جنده من ضد الدنف الأنف، وردّهم إلى ردم الأبواب وقدّس كلمته بعد الحرمين في البيت المقدّس، وسلك به مسالك السبل في المقيل والمعرس. وبعد هذا فهذه أدعيتنا، بل هذه أوديتنا، وهذه مسائلنا بل هذه وسائلنا، وهذه تحيّة حيّاها ذو الفطرة السليمة، وهذه خدمة يفتخر بها طبيعة النفس العليمة. واستنبت فيها الكتاب واستثبت فيها الجواب، والموجب لإصدارها محبّة أصلها ثابت وفرعها في العلى وحفز عليها حافزان: شوق قديم، ورعاية الآخرة والأولى، بل الأمر الّذي هو في خير الأمور من أوسطها، وإذا نظم في عقد الأسباب الموجبة لهذه الخطابة يكون في وسطها، فإنه يحكي أحكام الشأن والقصّة، ويعلم المقام أيّده الله الّذي حصل له في حرم الله وحرم نبيه من النصيب والحصّة، وفيه ينبغي أن تذهب الألفاظ وتلحظ عيون الأغراض وينفح المقاصد ويحمل على جواهر


[١] كذا. وفي ب: قر.

<<  <  ج: ص:  >  >>