للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لشهرين من مملكة بجاية فغلب عليها عمر بن موسى عامل بني عبد الواد، ومن أعياص قبيلهم، وتملّكها في آخر سنة خمس وستين وسبعمائة. وبعث عني من الأندلس وكنت مقيما بها نزيلا عند السلطان أبي عبد الله بن أبي الحاج بن الأحمر في سبيل اغتراب ومطاوعة تغلّب منذ مهلك السلطان أبي سالم الجاذب بضبعي إلى تقويمه، والترقي في [١] في خطط كتابته من ترسيل وتوقيع ونظر في المظالم وغيرها. فلما استدعاني هذا الأمير أبو عبد الله بادرت إلى امتثاله «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ ٦: ١١٢ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ من الْخَيْرِ» ٧: ١٨٨ فأجزت البحر شهر جمادى من سنة ست وخمسين وسبعمائة وقلّدني حجابته، ودفع إليّ أمور مملكته. وقمت في ذلك المقام المحمود إلى أن يأذن الله بانقراض أمره، وانقطاع دولته، وللَّه الخلق والأمر، وبيده تصاريف الأمور.

(الخبر عن مهلك الحاجب أبي محمد بن تافراكين واستبداد سلطانه من بعده) كان السلطان أبو إسحاق آخر دولته ببجاية قد تحيّن مهلك حاجبه المستبدّ عليه أبي محمد بن تافراكين لما كان أهل صنهاجة أهل التنجيم يحدّثونه بذلك، فأجمع الرحلة إليها، وانفض عنه أهل بجاية إلى ابن أخيه كما قدّمناه. واستولى عليه ثم أطلقه إلى حضرته فلحق بها في رمضان سنة خمس وستين وسبعمائة وتلقّاه أبو محمد بن تافراكين ورآه مرهف الحدّ للاستبداد الّذي لفّه ببجاية فكايله بصاع الوفاق، وصارفه نقد المصانعة، وازدلف بأنواع القربات. وقاد إليه النجائب ومنحه الذخائر والأموال وتجافى له عن النظر في الجباية. ثم أصهر إليه السلطان في كريمته فعقد له عليها وأعرس السلطان بها. ثم كان مهلكه عقب ذلك فاتح ست وستين وسبعمائة فوجم السلطان لنعيه وشهد جنازته حتى وضع في لحده من المدرسة التي اختطها لقراءة العلم إزاء داره جوفيّ المدينة. وقام على قبره باكيا وحاشيته يتناولون التراب حثيا على جدثه فقرن [٢] في الوفاء معه ما تحدّث به الناس واستبدّ من بعده بأمره وأقام سلطانه لنفسه.


[١] وفي نسخة أخرى: تنويهه، والراقي بي في خطط.
[٢] وفي نسخة أخرى: فغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>