للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو عبد الله الحاجب [١] غائبا عن الحضرة وخرج منها بالعسكر للجباية والتمهيد فلما بلغه خبر مهلك أبيه داخلته الظنّة وأوجس الخيفة فصرف العسكر إلى الحضرة، وارتفع مع حكيم من بني سليم، وعرض نفسه على معاقل إفريقية التي كان يظنّ أنها خالصة لهم. فصدّه محمد بن أبي العيون كاتبه عن عزمه [٢] ، فحمد الحكيم صنيعه وطاف بهم على المهدية [٣] . وبعث إليه السلطان بما رضيه من الأمان فاستصحب بعد النفور وبادر إلى الحضرة فتلقاه السلطان بالبرّ والترحيب، وقلّده حجابته وأنزله على مراتب العزّ والتنويه والشرف. ونكر هو مباشرة السلطان للناس من رفعه للحجاب، ولم يزل يريضه لما ألف من الاستبداد منذ عهد أبيه فأظلم الجوّ بينه وبين السلطان ودبّت عقارب السعاية لمهاده الوثير، فتنكّر وخرج من تونس ولحق بقسنطينة، ونزل بها على السلطان أبي العبّاس مرغّبا له في ملك تونس ومستحثّا فأنزله خير نزل، ووعده بالنهوض معه إلى إفريقية بعد الفراغ من أمر بجاية لما كان بينه وبين ابن عمّه صاحبها من الفتنة كما نذكرها بعد. واستبدّ السلطان أبو إسحاق بعد مفرّ ابن تافراكين عنه، ونظر في أعطاف ملكه، وعقد على حجابته لأحمد بن إبراهيم المالقي [٤] مصطنع الحاجب أبي محمد من طبقة العمّال، وعلى العساكر والحرب لمولاه منصور سريحة من المعلوجي، ورفع الحجاب بينه وبين رجال دولته وصنائع ملكه حتى باشر جبايات الخراج وعرفاء الحشم، وأوصلهم إلى نفسه وألغى الوسائط بينهم وبينه إلى حين مهلكه كما نذكر ذلك إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم.

(الخبر عن استيلاء السلطان أبي العباس على بجاية وملك صاحبها ابن عمه) لما ملك الأمير أبو عبد الله بجاية واستقل بإمارتها تنكّر للرعيّة وساءت سيرته فيهم بإرهاف الحدّ للكافة وإسخاط الخاصّة، فنغلت [٥] الصدور ومرضت القلوب


[١] وفي النسخة الباريسية: الحاجب لأبي محمد وفي نسخة أخرى: الحاجب ابن أبي محمد.
[٢] وفي نسخة أخرى: عن جربة.
[٣] وفي نسخة أخرى تختلف العبارة تماما: ومحمد بن الجكجاك ضيعتهم وبطانتهم عن المهدية.
[٤] وفي نسخة أخرى: اليالغي.
[٥] نفلت الصدور: أي ضغنت (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>