واستحكمت النفرة، وتوجّهت الضاغية إلى ابن عمه السلطان أبي العبّاس بقسنطينة لما كان استفسد منه وأعلن بلذاته وأقوم على سلطانه. وكانت بينهما فتنة وحروب جرّتها المنافسة في تخوم العمالتين منذ عهد الآباء. وكان السلطان أبو العبّاس أيام نزوله على السلطان أبي سالم محمود السيرة والخلال مستقيم الطريقة في مثوى اغترابه. وربما كان ينقم على ابن عمه هذا بعض النزعات المعرّضة لصاحبها للملامة وستثقل نصيحته. وشغل بذلك ضميره فلما استولى على بجاية عاد إلى الفتنة فتنبّه، وشمّر عزائمه لها فكان مغلبا فيها. واعتلق منه يعقوب بن علي بذمّه في المظاهرة على السلطان أبي العبّاس فلم يغن عنه وراجع يعقوب سلطانه. ثم جهّز هو العساكر من بجاية لمزاحمة تخوم قسنطينة وفيها مولانا أبو العباس فنهض إليه ثانية بنفسه في العساكر، وتراجع العرب من أولاد سبّاع بن يحيى وجمع هو أولاد محمد وزحف فيهم وفي عسكر من زناتة، والتقى الفريقان بناحية سطيف فاختلّ مصافّ أهل بجاية وانهزموا، واتبعهم السلطان أبو العبّاس إلى تاكرارت وجال في عمله ووطئ نواحي وطنه، وقفل إلى بلده. ودخل الأمير أبو عبد الله إلى بجاية وقد استحكمت النفرة بينه وبين أهل بلده فدسّوا إلى السلطان أبي العباس بقسنطينة بالقدوم عليهم، فوعدهم من العام القابل وزحف سنة سبع وستين وسبعمائة في عساكره وشيعته من الزواودة أولاد محمد، وانضوى إليه أولاد سبّاع بشيعة بجاية بالجوار والسابقة القديمة لما نكروا من أحوال سلطانهم. وعسكر الأمير أبو عبد الله بلبزو في جمع قليل من الأولياء، وأقام بها يرجو مدافعة ابن عمه بالصلح، فبيّته السلطان بمعسكره من لبزو، وصبحه في غارة شعواء فانفضّ جمعه، وأحيط به، وانتهب المعسكر، وفرّ إلى بجاية، فأدرك في بعض الطريق وتقبّض عليه، وقتل قعصا بالرماح. وأغذ السلطان أبو العبّاس السير إلى بجاية فأدرك بها صلاة الجمعة تاسع عشر شعبان من سنة سبع وستين وسبعمائة وكنت بالبلد مقيما فخرجت في الملأ وتلقّاني بالمبرّة والتنويه. وأشار إليّ بالاصطناع واستوسق له ملك جدّه الأمير أبي زكريا الأوسط في الثغور الغربية وأقمت في خدمته بعض شهر. ثم توخمت الحنقة في نفسي وأذنته في الانطلاق فأذن لي تكرّما وفضلا وسعة صدر ورحمة، ونزلت على يعقوب بن عليّ، ثم تحوّلت عنه إلى بسكرة ونزلت على ابن موسى إلى أن صفا الجوّ، واستقبلت من أمري ما استدبرت واستأذنته لثلاث عشرة سنة من انطلاقي عنه في خبر طويل نقصه من شأني فأذن لي، وقدمت