للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما تغلّب المولى أبو زكريا يحيى ابن الأمير أبي إسحاق على بجاية وقسنطينة وبونة، واستقلّ بأمرها وانقسمت دولة آل أبي حفص بملكه ذلك منها، تمسّك أهل الزاب بدعوة صاحب الحضرة المولى أبي حفص وفرّ منصور بن فضل بن عليّ من محبسه بتونس ولحق ببجاية بعد مهلك الحاجب القائم بالأمر أبي الحسين بن سيّد الناس، وتولية السلطان أبي زكريا مكانه كاتبه أبو القاسم بن أبي يحيى سنة إحدى وتسعين وستمائة، فلازم خدمته وخفّ عليه وصانعه بوجوه التخف وتضمّن له تحويل الدعوة بالزاب لسلطانه، وشريف أمواله وجبايته إليه واستماله بذلك، فعقد له على الزاب وأمدّه بالعسكر فنازل بسكرة ووفد أهلها بنو زيان على السلطان ببجاية ببيعتهم فرجّعهم على الأعقاب إلى عاملهم منصور، وكتب إليه بقبول بيعتهم، ودخل البلد سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكادهم في بناء القصر لشيعته، وتحصّن العسكر بسورة.

ثم نابذهم العهد، وثار بهم فأجلاهم عن البلد، واستمكن فيها ورسخت قدم إمارته فيها، واستدرّ جباية السلطان، واتسع له نطاق العمالة، فاستضاف إلى عمل الزاب جبل أوراس وقرى ريغه وبلد واركلى وقرى الحصنة: مقرة ونقاوس والمسيلة. فعقد له السلطان على جميعها، ودفعه إلى مزاحمة العرب في جبايتها وانتهاش لحومها إذ كانوا قد غلبوا على سائر الضواحي فساهمهم في جبايتها حتى كاد يغليهم عليها. ووفّر أموال الدولة وأنهى الخراج وصانع رجال السلطان فألقوا عليه بالمحبّة، وجذبوا بضبعه إلى أقصى مراتب الاصطناع، فأثرى واحتجز الأموال ورسخت عروق رياسته ببسكرة، ورسخت منابت عزّه وهلك المولى أبو زكريا الأوسط على رأس المائة السابعة، وولّوا مكانه ابنه الأمير أبا البقاء خالدا كما قدّمناه، وقام بأمره صاحبه أبو عبد الرحمن بن عمر.

وكان لمنصور بن فضل هذا اختصاص به واعتلاق بيد حاجبه [١] فاستنام إليه وعوّل في سائر الضواحي من ممالك السلطان على نظره، وعقد له على بلاد التل من أرض سدويكش وعياض فاستضافها إلى عمله، وجرّد عن ساعد كفايته في جبايتها فلقّح عقيمها وتفجّرت ينابيعها. ثم حدثت بينه وبين الدولة منافرة وأجلب على قسنطينة بيحيى بن خالد ابن السلطان أبي إسحاق حاجبه من تلمسان [٢] ، وبايع له


[١] وفي نسخة ثانية: جاهه.
[٢] وفي نسخة ثانية: جأجأ به تلمسان وهذا تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>