للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستألف الزواودة لمشايعته، ونازل به قسنطينة ثم اطلع على مكامن صدره فيه وما طوى عليه من التربّص به فحلّ عقدته، ولحق بعسكره ببسكرة، وراجع الطاعة.

ولحق يحيى بن خالد واعتقله إلى أن هلك سنة عشرين وسبعمائة وكانت بينه وبين المرابطين أهل السنّة من العرب أتباع سعادة المشهور الذكر فتن وحروب، وطالبوه بترك المغارم والمكوس تخفيفا عن الرعيّة وعملا بالسنّة التي كانوا ملتزمين لطريقها، ونازلوه من أجل ذلك ببسكرة مرارا. ثم هلك سعادة في بعض حروبه على مليلي كما مرّ في ذكره سنة خمس وسبعمائة. وجمع منصور بن مزني للمرابطين، وبعث عسكره يقوده ابنه عليّ بن منصور مع علي بن أحمد شيخ الزواودة، وعلى المرابط أبو يحيى بن أحمد أخوه ومعه رجالات المرابطين مثل:

عيسى بن يحيى بن إدريس شيخ أولاد عساكر، وعطيّة بن سليمان بن سبّاع وحسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة فهزموا عسكر ابن مزني وقتلوا ابنه عليّا وتقبّضوا على عليّ بن أحمد، ثم منّوا عليه وأطلقوه.

ورجعوا إلى بسكرة فنازلوها وقطعوا نخيلها. ثم عاودوه ثانية وثالثة. ولم يزل بينه وبين هؤلاء المرابطين فتن سائر أيامه. وكان الحاجب ابن عمر قد استخلصه لنفسه وأحلّه محل الثقة بحلّته واستقامة إلى صنائعه [١] . ولما نهض السلطان أبو البقاء إلى تونس صحبه الحاجب في جملته حتى إذا أعمل المكيدة في الانصراف عن السلطان شاركه في تدبيرها إلى أن تمّت كما قدّمناه. ورجع الحاجب إلى قسنطينة وردّه إلى مكان عمله من الزاب. وكان يتردّد إليه ببجاية للزيارة والمطالعة في أعماله إلى أن غدر به العرب في بعض طرقه إليها. وتقبّض عليه من أمراء الزواودة علي بن أحمد بن عمر ابن محمد بن مسعود، وسليمان بن عليّ بن سبّاع بن يحيى بن مسعود على حين اجتذبا حبل الإمارة من يد عثمان بن سبّاع بن شبل بن موسى بن محمد، واقتسما رياسة الزواودة قومهما فاستمكنا من هذا العامل منصور بن فضل في مرجعه من عمله بلاد سدويكش، وأوثقوه اعتقالا، وهمّوا بقتله فافتدى منهم بخمسة قناطير من الذهب وارتاشوا [٢] بمسكوبهم، وصرفوا في وجوه رياستهم ألفا منها، وقبض منصور بن فضل عنانه عن السفر بعدها إلا في الأحايين. وبعد أخذ الرهن من العرب إلى أن


[١] وفي نسخة أخرى: والاستقامة الى صفاته.
[٢] ارتاش ربما استعملها ابن خلدون بمعنى راش أي أكل كثيرا (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>