للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت حركة مولانا السلطان أبي يحيى إلى تونس سنة سبع عشرة وسبعمائة أوّل حركاته إليها، وطالب صاحبه يعقوب بن عمر وهو بثغر بجاية بالأموال للنفقات والأعطيات، فبعث إليه بمنصور بن فضل وأشار بعقده له على حجابته ليقوم بأمره، ويكفيه مهمات شئونه واعتدّها منصور على ابن عمر فساء ظنّه، وتنكّر له ابن عمر، وحالت صبغة ودّه وانكفأ السلطان من حركته تلك مخفق السعي بعد أن نزل ظاهر تونس بعساكره كما قدّمناه. ولمّا احتلّ بقسنطينة بدت له من يعقوب بن عمر صاحب الثغر مخايل الامتناع فأقصر عن اللحاق به، وتردّدت بينهما الرسل وبعث ابن عمر في منصور بن فضل. ونذر منه بالشرّ فأجاب داعيه، وصحب قائد السلطان يومئذ محمد ابن أبي الحسن بن سيّد الناس إليه، حتى إذا كان ببعض الطريق عدل إلى بلده، وهمّ به القائد فأجاره أولياؤه من العرب: عثمان بن الناصر شيخ أولاد حربي ويعقوب بن إدريس شيخ أولاد خنفر ومن معهم من ذويهم. ولحق ببسكرة وبلغ الخبر إلى ابن عمر فقرع سنّ الندم عليه، وشايع منصور بن مزني عدوّهم صاحب تلمسان أبا تاشفين ودخل في دعوته وأوفد ابنه يوسف عليه بالطاعة والهدية.

وملك السلطان خلال ذلك تونس وسائر بلاد إفريقية وهلك ابن عمر سنة تسع عشرة وسبعمائة ولم يزل منصور بن مزني ممتنعا سائر أيامه على الدولة، والعساكر من بجاية تتردّد لمنازلته إلى أن هلك سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وقام بأمره من بعده ابنه عبد الواحد فعقد له السلطان على عمل أبيه بالزاب، واستضاف إليه ما وراءه من البلاد الصحراوية قرى: ريغة وواركلى. وكان السلطان قد عقد على الثغر بعد مهلك ابن عمر لمحمد بن أبي الحسين بن سيّد الناس، وجعل له كفالة ابنه يحيى ودفعه إليه فتجدّدت الوحشة بين عبد الواحد هذا وبين صاحب الثغر في سبيل المنافسة في المرتبة عند السلطان بما كانوا جميعا صنائع وبطانة للحاجب ابن عمر. وبعث العساكر لحربه ومنازلة حصنه. وناول عبد الواحد هذا لآل زيّان الخائفين [١] الدولة طرفا من حبل طاعته فقبل فيها مذهب أبيه آخر عمره. وطال تمرّس الجيوش به إلى ان استجنّ منه عبد الواحد بصهر عقده له على ابنته، واشترط المهادنة وتسليم الجباية، وتودع أمره إلى أن اغتاله أخوه يوسف سنة تسع وعشرين وسبعمائة بمداخلة بطانتهم من بنى


[١] وفي نسخة ثانية: مخانقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>