للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنابرهم، واستمرّوا على ذلك. فأمّا يحيى بن محمد بن يملول فنزع إلى مناغاة الملوك في الشارة والحجاب واتخاذ الآلة والبيت المقصور للصلاة، واقتعاد الأريكة وخطاب السمر، [١] بل وفسح للمجون والعكوف على اللذّات مجالا يرى أنّ جماع السياسة والملك في إدارة الكأس وافتراش الآس والحجبة عن الناس والتألّه على الندمان والجلّاس. وفتح مع ذلك على رعيته وأهل إيالته باب العسف والجور. ورعى بيت المشاهير منهم غيلة فأتلفت نفوسهم، وامتدّ أمره في ذلك إلى أن استولى السلطان أبو العباس على إفريقية، وكان من أمره ما نذكره. وأمّا جاره الجنب علي بن الخلف فلم يلبث لما استبدّ برياسته أن حجّ سنة أربع وستين وسبعمائة والتزم مذاهب الخير وطرق الرضا والعدالة، وهلك سنة خمس وستين وسبعمائة بعدها وولي مكانه ابنه محمد جاريا على سننه. ثم هلك لسنة من ولايته، وقام بأمره أخوه عبد الله بن علي فأذكى سياسته، وأوقع [٢] حزمه وأرهف للناس حدّه فنقموا عليه سيرته، وسئموا عسفه واستمكن مناهضهم في الشرف ومحاذبهم في رياسة البلد القاضي محمد بن خلف الله من صاحب الحضرة بذمّة كانت له في خدمته قديما واستعمله لرعيها في خطة القضاء بحضرته، وآثره بالمكان منه والصحبة فسعى بعبد الله هذا عنه الخليفة ودلّه على مكامن هلكته، وبصره بعورات بلده. واقتياد عساكر السلطان إليه في زمامه.

ولما احتلّ بظاهر البلد وعبد الله رئيسها أشدّ ما كان قوّة وأكثر جمعا وأمضى عزما استألف أخوه الخلف بن علي بن الخلف جماعة المشيخة دونه، وحرّضهم عليه وداخل القاضي بتبييتها وأنه بالمرصاد في اقتحامها، حتى إذا كانت البيعة دسّ إلى بعض الأوغاد في قتل أخيه عبد الله، ومكر بالقاضي والعسكر وامتنع عليهم واعتصم دونهم. واستقل برياسة بلده وأقام على ذلك يناغي ابن يملول في سيره ويطارحه الكثير من مذاهبه، ويجري في الثناء الّذي بلغ إلى غايته وأولى على بنيته [٣] . وأمّا أحمد بن عمر بن العابد فلم يزل من لدن استبداده ببلده قفصة سالكا مسالك الخمول منحطا عن رتبة التكبّر منتحلا مذاهب أهل الخير والعدالة في شارته وزيّه ومركبه، جانحا إلى التقلّل. فلما أوفى على شرف من العمر [٤] استبدّ عليه ابنه محمد


[١] وفي نسخة ثانية: وخطاب التمويل.
[٢] وفي نسخة ثانية: ايقظ.
[٣] وفي نسخة ثانية: وأوفى على ثنيته.
[٤] أي أصبح شيخا كبيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>