للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هوّة الخندق فتطارحوا فيه وترادفوا وهلك بالكظيظ أكثر ممن هلك بالقتل. واستلحم في ذلك اليوم زعماء ملئهم [١] مثل عمر بن عثمان كبير الحشم من بني توجين، ومحمد بن سلامة بن عليّ كبير بني يدللتن منهم أيضا وغيرهم. وكان يوما له ما بعده. واعتز بنو مرين عليهم من يومئذ. ونذر بنو عبد الواد بالتغلّب عليهم، واتصلت الحرب مدّة عامين. ثم اقتحمها السلطان غلابا لسبع وعشرين من رمضان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. ووقف أبو تاشفين بساحة قصره مع خاصّته، وقاتل هنالك حتى قتل ابناه عثمان ومسعود ووزيره موسى بن عليّ ووليّه عبد الحق بن عثمان من أعياص عبد الحق. نزع إليه من جملة الموحّدين كما أشرنا إليه ونستوفي خبره. فهلك هو وابنه وابن أخيه، وأثخنت السلطان أبا تاشفين الجراحة ووهن لها، فتقبّض عليه. واختبنه [٢] بعض الفرسان إلى السلطان فلقيه الأمير أبو عبد الرحمن صالي تلك الحروب وأورد غمرتها بنفسه، فاعترضه وقد غضّ الطرف بموكبه، فأمر به في الحين فقتل، واحتزّ رأسه، وسخط ذلك السلطان من فعله لحرصه على توبيخه وتفريعه، وذهب مثلا في الغابرين. واقتحم السلطان بكافّة عساكره، وتواقع الناس بباب كشوط [٣] لجنوبهم من كظيظ الزحام، فهلك منهم أمم.

وانطلقت أيدي النهب على البلد فلحقت الكثير من أهله معرّات في أموالهم وحرمهم.

وخلص السلطان إلى المسجد الجامع مع لمّة من خواصه وحاشيته. واستدعى شيوخ الفتيا بالبلد أبو زيد وأبو موسى ابنا الإمام، وفاء بحق العلم وأهله، فخلصوا إليه بعد الجهد ووعظوه وذكروه بما نال الناس من النهب، فركب لذلك بنفسه وسكن وأوزع جنوده وأشياعه من الرعيّة، وقبض أيديهم عن الفساد وعاد إلى معسكره بالبلد الجديد. وقد كمل الفتح وعزّ النصر، وشهد ذلك اليوم أبو محمد بن تافراكين، وافاه رسولا عن مولانا السلطان أبي يحيى مجدّدا للعهد، فأعجله السلطان إلى مرسلة بالخبر وسابق السابقين. ودخل تونس لسبع عشرة ليلة من نوبة الفتح، فعظم السرور عند السلطان أبي يحيى بمهلك عدوّه والانتقام منه بشارة، واعتدّها بمساعيه. ورفع السلطان أبو الحسن القتل عن بني عبد الواد أعدائهم، وشفى نفسه


[١] وفي نسخة ثانية: ملاحمهم.
[٢] اختبن الشيء: اخذه في خبنة ثيابه (قاموس) .
[٣] وفي نسخة ثانية: كشوك.

<<  <  ج: ص:  >  >>