للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسمو بجيد بالغ صعدا ... شرف الصّروح بغير ما جهد

طالت رءوس الشامخات به ... ولربّما قصرت عن الوهد

قطعت إليك تنائفا وصلت ... آسارها بالقهد والوخد [١]

تحدي على استصغائها ذللا ... وتبيت طوع القنّ والقدّ [٢]

بسعودك اللّاتي ضمنّ لها ... طول الحياة بعيشة رغد

جاءتك في وفد الأحابش لا ... يرجون غيرك مكرم الوفد

وافوك أنضاء تقلّبهم ... أيدي السّرى بالغور والنجد

كالطيف يستقري مضاجعه ... أو كالحسام يسلّ من غمد

يثنون بالحسنى التي سبقت ... من غير إنكار ولا جحد

ويرون لحظك من وفادتهم ... فخرا على الأتراك والهند

يا مستعينا جلّ في شرف ... عن رتبة المنصور والمهدي

جازاك ربّك عن خليقته ... خير الجزاء فنعم من يسدي

وبقيت للدنيا وساكنها ... في عزّة أبدا وفي سعد

وأنشدته في سائر أيامه غير هاتين القصيدتين كثيرا لم يحضرني الآن شيء منه.

ثم غلب ابن مرزوق على هواه وأفرد بخالصته وكبح الشكائم عن قربه، فانقبضت وقصّرت الخطو، مع البقاء على ما كنت فيه من كتابة سرّه وإنشاء مخاطباته ومر اسمه.

ولّاني آخر الدولة «خطّة المظالم» فوفّيتها حقّها ودفعت للكثير مما أرجو ثوابه. ولم يزل ابن مرزوق آخذا في سعايته بي وبأمثالي من أهل الدولة، غيرة ومنافسة إلى أن انتقض الأمر على السلطان بسببه، وثار الوزير عمر بن عبد الله بدار الملك فصار إليه الناس، ونبذوا السلطان وبيعته، وكان في ذلك هلاكه على ما ذكرناه في أخبارهم.

ولما قام الوزير عمر بالأمر أقرّني علي ما كنت عليه، ووفّر أقطاعي وزاد في جرايتي وكنت أسمو بطغيان الشباب إلى أرفع مما كنت فيه وأدلّ في ذلك بسابق مودّة معه،


[١] وفي نسخة ثانية: إسادها بالنص والوخد. والنص: التحريك حتى تستخرج من الناقة أقصى سيرها.
والوخد: ضرب من سير الإبل، وهو سعة الخطو في المشي (لسان العرب) .
[٢] وفي نسخة ثانية: تخدي على استصعابها ذللا، تخدي: تسرع، والقن: العبد. والعدّ: سير يصنع من جلد غير مدبوغ.
ابن خلدون م ٣٥ ج ٧

<<  <  ج: ص:  >  >>