منذ أيام السلطان أبي عنان، وصحابة استحكم عقدها بيني وبين الأمير أبي عبد الله صاحب بجاية، فكان ثالث آثافينا، ومصقلة فكاهتنا، واشتدّت غيرة السلطان لذلك كما مرّ، وسطا بنا، وتغافل عن عمر بن عبد الله لمكان أبيه من ثغر بجاية، ثم حملني الإدلال عليه أيام سلطانه، وما ارتكبه في حقي من القصور بي عمّا أسمو إليه إلى أن هجرته، وقعدت عن دار السلطان مغاضبا له، فتنكّر لي وأقطعني جانبا من الإعراض، فطلبت الرحلة إلى بلدي بإفريقية. وكان بنو عبد الواد قد راجعوا ملكهم بتلمسان والمغرب الأوسط فمنعني من ذلك أن يغتبط أبو حمّو صاحب تلمسان بمكاني، فأقيم عنده، وألحّ في المنع من ذلك، وأبيت أنا إلّا الرّحلة، واستجرت في ذلك برديفه وصهره الوزير مسعود بن رحّو بن ماسي، ودخلت عليه يوم الفطر سنة ثلاث وستين وسبعمائة فأنشدته:
هنيئا لصوم لا عداه قبول ... وبشرى لعيد أنت فيه منيل
وهنّئتها من عزّة وسعادة ... تتابع أعوام بها وفصول
سقى الله دهرا أنت إنسان عينه ... ولا مسّ ربعا في حماك محول
فعصرك ما بين الليالي مواسم ... له غرر وضّاحة وحجول
وجانبك المأمول للجود مشرّع ... يحوم عليه عالم وجهول
عساك وإن ضنّ الزمان منوّلي ... فرسم الأماني من سواك محيل
أجرني فليس الدهر لي بمسالم ... إذا لم يكن لي في ذراك مقيل
وأوليتني الحسنى بما أنا آمل ... فمثلك يؤلي راجيا وينيل
وو الله ما رمت الترحّل عن قلى ... ولا سخطة للعيش فهو جزيل
ولا رغبة عن هذه الدار إنّها ... لظلّ على هذا الأنام ظليل
ولكن نأى بالشعب عنّا حبائب ... شجاهنّ خطب والفراق طويل
يهيج بهنّ الوجد إني نازح ... وأنّ فؤادي حيث هنّ حلول
عزيز عليهنّ الّذي قد لقيته ... وأنّ اغترابي في البلاد يطول
توارت بابنيّ [١] البقاع كأنني ... تخطّفت أو غالت ركابي غول
ذكرتك يا مغنى الأحبّة والهوى ... فطارت لقلبي أنّة وعويل
[١] وفي نسخة ثانية: بأنبائي.