للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، فأهلا به من عربيّ أبيّ يصف السّانح والبانة [١] ، ويبين فيحسن الإبانة، أدّى الأمانة، وسئل عن حيّه فانتمى إلى كنانة [٢] ، وأفصح وهو لا ينبس [٣] ، وتهلّلت قسماته وليل حبره يعبس، وكأنّ خاتمه المقفل على صوانه [٤] ، المتحف بباكر الورد في غير أوانه، رعف من مسك عنوانه، وللَّه من قلم دبّج تلك الحلل، ونقع بمجاج [٥] الدوّاة المستمدّة من عين الحياة الغلل [٦] ، فلقد تخارق في الجود، مقتديا بالخلافة التي خلد فخرها في الوجود، فجاد بسرّ البيان ولبابة، وسمح في سبيل الكرم حتّى بماء شبابه، وجمع لفرط بشاشته وفهامته، بعد شهادة السّيف بشهامته، فمشى من التّرحيب، في الطّرس الرّحيب، على أم هامته.

وأكرم به من حكيم، أفصح بملغوز [٧] الإكسير [٨] ، في اللّفظ اليسير، وشرح بلسان الخبير، سرّ صناعة التّدبير [٩] ، كأنما خدم الملكة السّاحرة [١٠] بتلك البلاد، قبل اشتجار الجلاد [١١] ، فآثرته بالطّارف من سحرها والتّلاد، أو عثر بالمعلّقة، وتيك القديمة المطلّقة، بدفية دار، أو كنز تحت جدار، أو ظفر لباني


[١] السانح: ما أتاك من عن يمينك من ظبي أو طير، وهو مما يتيمنون به. والبانة واحدة البان، وهو شجر يسمو ويطول في استواء مثل نبات الأثل، ويتخذ منه دهن.
[٢] كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، أبو القبيلة، وهو الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم.
[٣] التبس: أقل الكلام، وما نبس بكلمة: أي ما تكلم.
[٤] الصوان: ما تصون به الشيء.
[٥] مجاج الدواة: ما تمجه.
[٦] نقع الماء غلته: أروي عطشه.
[٧] كذا في الأصول. والصواب «ملغز» ، لأن فعله رباعي.
[٨] الإكسير: الكيمياء وهي كلمة مولدة. ولأهل الصنعة في الإكسير كلام مغلق طويل فيه العجب.
ويطلقون الإكسير أيضا على «الحجر المكرم» ، وهو المادة التي تلقى على المواد حال ذوبانها، فتحولها الى ذهب أو فضة بزعمهم. وانظر تاج العروس (كسر) .
[٩] صناعة التدبير: يعني بها تحويل المعادن الى الذهب أو الفضة، وتلك كانت، ولا تزال، مشكلة المشتغلين بعلم الكيمياء القديم.
[١٠] يعني بالملكة الساحرة الكاهنة البربرية، من قبيلة جراوة إحدى قبائل زناتة.
[١١] اشتجر القوم: تشابكوا، وتشاجروا بالرماح: تطاعنوا. والجلاد: الضرب بالسيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>