للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك السّفين، وكلّ شيء بقدر.

ثم وصل إلينا عام ثلاثة وتسعين وسبعمائة شيخ الأعراب: المعقل بالمغرب، يوسف ابن عليّ بن غانم، كبير أولاد حسين ناجيا من سخط السلطان أبي العبّاس أحمد ابن أبي سالم، من ملوك بني مرين بفاس، يروم قضاء فرضه، ويتوسّل بذلك لرضى سلطانه، فوجد السلطان غائبا بالشام في فتنة منطاش، فعرضته لصاحب المحمل. فلمّا عاد من قضاء فرضه، وكان السلطان قد عاد من الشام، فوصلته به، وحضر بين يديه، وشكا بثّه، فكتب الظاهر فيه شفاعة لسلطان وطنه بالمغرب، وحمّله مع ذلك هديّة إليه من قماش وطيب وقسيّ، وأوصاه بانتقاء الخيل له من قطر المغرب، وانصرف، فقبل سلطانه فيه شفاعة الظّاهر، وأعاده إلى منزلته. وانتقى الخيول الرائعة لمهاداة الملك الظاهر، وأحسن في انتقاء أصناف الهدية، فعاجلته المنيّة دون ذلك، وولي ابنه أبو فارس، وبقي أياما ثمّ هلك، وولي أخوه أبو عامر، فاستكمل الهديّة، وبعثها صحبة يوسف بن علي الوارد الأول.

وكان السلطان الملك الظاهر، لما أبطأ عليه وصول الخيل من المغرب، أراد أن يبعث من أمرائه من ينتقي له ما يشاء بالشّراء، فعيّن لذلك مملوكا من مماليكه منسوبا إلى تربية الخليلي، اسمه قطلوبغا [١] ، وبعث عنّي، فحضرت بين يديه، وشاورني في ذلك فوافقته، وسألني كيف يكون طريقه، فأشرت بالكتاب في ذلك الى سلطان تونس من الموحّدين [٢] ، وسلطان تلمسان من بني عبد الواد، وسلطان فاس والمغرب من بني مرين، وحمّله لكل واحد منهم هدية خفيفة من القماش والطيب والقسيّ، وانصرف عام تسعة وتسعين وسبعمائة إلى المغرب، وشيّعه كل واحد من ملوكه إلى مأمنه، وبالغ في إكرامه بما يتعيّن. ووصل إلى فاس، فوجد الهدية قد استكملت، ويوسف بن عليّ على المسير بها عن سلطانه أبي عامر من ولد السلطان أبي العباس المخاطب أوّلا. وأظلّهم عيد الأضحى بفاس، وخرجوا متوجّهين إلى مصر، وقد أفاض السّلطان من إحسانه وعطائه، على الرّسول قطلوبغا ومن في جملته بما أقرّ عيونهم، وأطلق بالشكر ألسنتهم، وملأ بالثناء ضمائرهم، ومرّوا بتلمسان، وبها


[١] هو قطلوبغا بن عبد الله المتوفى سنة ٨٢١. تولى نيابة الاسكندرية والحجابة أيام الظاهر، ونيابة الإسكندرية أيام المؤيد. قال في المنهل: وأظنه من مماليك جاركش الخليلي أمير أخور، والله اعلم.
[٢] هو أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي حفص الموحدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>