للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها. وهذا شيء لا يعرف في اللّغة. وقد درج على ذلك الأوّل والآخر منهم ونافرهم أهل السنّة من المتكلّمين الأشعريّة والحنفيّة. ورفضوا عقائدهم في ذلك، ووقع بين متكلّمي الحنفيّة ببخارى وبين الإمام محمّد بن إسماعيل البخاريّ ما هو معروف. وأمّا المجسّمة ففعلوا مثل ذلك في إثبات الجسميّة، وأنّها لا كالأجسام. ولفظ الجسم له يثبت في منقول الشرعيّات. وإنّما جرّأهم عليه إثبات هذه الظواهر، فلم يقتصروا عليه، بل توغّلوا وأثبتوا الجسميّة، يزعمون فيها مثل ذلك وينزّهونه بقول متناقض سفساف، وهو قولهم: «جسم لا كالأجسام» . والجسم في لغة العرب هو العميق المحدود وغير هذا التّفسير من أنّه القائم بالذات أو المركّب من الجواهر وغير ذلك، فاصطلاحات للمتكلّمين يريدون بها غير المدلول اللّغويّ. فلهذا كان المجسّمة أوغل في البدعة بل والكفر. حيث أثبتوا للَّه وصفا موهما يوهم النقص لم يرد في كلامه، ولا كلام نبيّه. فقد تبيّن لك الفرق بين مذاهب السّلف والمتكلّمين السنّية والمحدّثين والمبتدعة من المعتزلة والمجسّمة بما أطلعناك عليه. وفي المحدّثين غلاة يسمّون المشبّه لتصريحهم بالتشبيه، حتّى إنّه يحكى عن بعضهم أنّه قال: اعفوني من اللّحية والفرج وسلوا عمّا بدا لكم من سواهما. وإن لم يتأوّل ذلك لهم، بأنّهم يريدون حصر ما ورد من هذه الظواهر الموهمة، وحملها على ذلك المحمل الّذي لأئمّتهم، وإلّا فهو كفر صريح والعياذ باللَّه. وكتب أهل السنّة مشحونة بالحجاج على هذه البدع، وبسط الردّ عليهم بالأدلّة الصّحيحة. وإنّما أومأنا إلى ذلك إيماء يتميّز به فصول المقالات وجملها. «والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا الله ٧: ٤٣» .

وأمّا الظواهر الخفيّة الأدلّة والدّلالة، كالوحي والملائكة والرّوح والجنّ والبرزخ وأحوال القيامة والدجّال والفتن والشروط، وسائر ما هو متعذّر على الفهم أو مخالف للعادات، فإن حملناه على ما يذهب إليه الأشعريّة في تفاصيله، وهم

<<  <  ج: ص:  >  >>