للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل السنّة، فلا تشابه، وإن قلنا فيه بالتشابه، فلنوضح القول فيه بكشف الحجاب عنه فنقول: اعلم أنّ العالم البشريّ أشرف العوالم من الموجودات، وأرفعها. وهو وإن اتّحدت حقيقة الإنسانيّة فيه فله أطوار يخالف كلّ واحد منها الآخر بأحوال تختصّ به حتّى كأنّ الحقائق فيها مختلفة.

فالطّور الأوّل: عالمه الجسمانيّ بحسّه الظاهر وفكره المعاشيّ وسائر تصرّفاته الّتي أعطاه إيّاها وجوده الحاضر.

الطّور الثاني: عالم النوم، وهو تصوّر الخيال بإنفاذ تصوّراته جائلة في باطنه فيدرك منها بحواسّه الظاهرة مجرّدة عن الأزمنة والأمكنة وسائر الأحوال الجسمانيّة، ويشاهدها في إمكان ليس هو فيه. ويحدث للصالح منها البشرى بما يترقّب من مسرّاته الدنيويّة والأخرويّة، كما وعد به الصادق صلوات الله عليه.

وهذان الطوران عامّان في جميع أشخاص البشر، وهما مختلفان في المدارك كما تراه.

الطور الثالث: طور النبوّة، وهو خاص بإشراف صنف البشر بما خصّهم الله به من معرفته وتوحيده، وتنزّل ملائكته عليهم بوحيه، وتكليفهم بإصلاح البشر في أحوال كلّها مغايرة للأحوال البشريّة الظاهرة.

الطور الرابع: طور الموت الّذي تفارق أشخاص البشر فيه حياتهم الظاهرة إلى وجود قبل القيامة يسمّى البرزخ يتنعّمون فيه ويعذّبون على حسب أعمالهم ثمّ يفضون إلى يوم القيامة الكبرى، وهي دار الجزاء الأكبر نعيما وعذابا في الجنّة أو في النار.

والطوران الأوّلان شاهدهما وجدانيّ، والطور الثالث النبويّ شاهده المعجزة والأحوال المختصّة بالأنبياء، والطور الرابع شاهده ما تنزّل على الأنبياء من وحي الله تعالى في المعاد وأحوال البرزخ والقيامة، مع أنّ العقل يقتضي به،

<<  <  ج: ص:  >  >>