الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين فقول مزيّف مردود وتفسيره أنّ الإنسان مركّب من جزءين أحدهما جسمانيّ والآخر روحانيّ ممتزج به ولكلّ واحد من الجزءين مدارك مختصّة به والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الرّوحانيّ يدرك تارة مدارك روحانيّة وتارة مدارك جسمانيّة إلّا أنّ المدارك الرّوحانيّة يدركها بذاته بغير واسطة والمدارك الجسمانيّة بواسطة آلات الجسم من الدّماغ والحواسّ. وكلّ مدرك فله ابتهاج بما يدركه. واعتبره بحال الصّبيّ في أوّل مداركه الجسمانيّة الّتي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضّوء وبما يسمعه من الأصوات فلا شكّ أنّ الابتهاج بالإدراك الّذي للنّفس من ذاتها بغير واسطة يكون أشدّ وألذّ. فالنّفس الرّوحانيّة إذا شعرت بإدراكها الّذي لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذّة لا يعبّر عنهما وهذا الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنّما يحصل بكشف حجاب الحسّ ونسيان المدارك الجسمانيّة بالجملة. والمتصوّفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا الإدراك للنّفس بحصول هذه البهجة فيحاولون بالرّياضة إماتة القوى الجسمانيّة ومداركها حتّى الفكر من الدّماغ وليحصل للنّفس إدراكها الّذي لها من ذاتها عند زوال الشّواغب والموانع الجسمانيّة يحصل لهم بهجة ولذّة لا يعبّر عنهما. وهذا الّذي زعموه بتقدير صحّته مسلّم لهم وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم. فأمّا قولهم إنّ البراهين والأدلّة العقليّة محصّلة لهذا النّوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته إذ البراهين والأدلّة من جملة المدارك الجسمانيّة لأنّها بالقوى الدّماغيّة من الخيال والفكر والذّكر. ونحن نقول إنّ أوّل شيء نعنى به في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدّماغيّة كلّها لأنّها منازعة له قادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات والنّجاء وتلاخيص ابن رشد للقصّ من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها ويتوثّق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السّعادة فيها ولا يعلم أنّه يستكثر بذلك من الموانع عنها. ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو