جرهم بتطهيرها من الدماء والحيض وسائر النجاسات، وجعل لها بابا ومفتاحا، ثم سار إلى اليمن. وقد ذكر قومه ما أخذ به من دين اليهودية، وكانوا يعبدون الأوثان، فتعرضوا لمنعه ثم حاكموه إلى النار التي كانوا يحاكمون إليها، فتأكل الظالم وتدع المظلوم، وجاءوا بأوثانهم. وخرج الحبران متقلدان المصاحف، ودخل الحميريّون فأكلتهم وأوثانهم، وخرج الحبران منها ترشح وجوههم وجباههم عرقا، فآمنت حمير عند ذلك، وأجمعوا على اتباع اليهودية. ونقل السهيليّ عن ابن قتيبة في هذه الحكاية انّ غزاة تبع هذه، إنما هي استصراخة أبناء قيلة على اليهود، فإنهم كانوا نزلوا مع اليهود حين أخرجوهم من اليمن على شروط، فنقضت عليهم اليهود فاستغاثوا بتبّع فعند ذلك قدمها وقد قيل: ان الّذي استصرخه أبناء قيلة على اليهود إنما هو أبو جبلة من ملوك غسان بالشام، جاء به مالك بن عجلان، فقتل اليهود بالمدينة، وكان من الخزرج كما نذكر بعد. ويعضد هذا أنّ مالك بن عجلان بعيد عن عهد تبع بكثير، يقال إنه كان قبل الإسلام بسبعمائة سنة ذكره ابن قتيبة. وحكى المسعودي في أخبار تبع هذا أنّ أسعد أبا كرب سار في الأرض، ووطأ الممالك وذلّلها ووطئ أرض العراق في ملك الطوائف، وعميد الطوائف يومئذ خرّداد بن سابور، فلقي ملكا من ملوك الطوائف اسمه قبّاذ، وليس قبّاذ بن فيروز، فانهزم قباذ وملك أبو كرب العراق والشام والحجاز وفي ذلك يقول تبّع أبو كرب:
إذ حسينا جيادنا من دماء ... ثم سرنا بها مسيرا بعيدا
واستبحنا بالخيل خيل قبّاذ ... وابن إقليد جاءنا مصفودا
وكسونا البيت الّذي حرّم ... الله ملاء منضدا وبرودا
وأقمنا به من الشهر عشرا ... وجعلنا لبابة اقليدا
(وقال أيضا)
لست بالتبع اليماني ان لم ... تركض الخيل في سواد العراق
أو تؤدّي ربيعة الخرج قسرا ... لم يعقها عوائق العوّاق
وقد كانت لكندة معه وقائع وحروب، حتى غلبهم حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة من ملوك كهلان، فدانوا له ورجع أبو كرب إلى اليمن، فقتله حمير وكان ملكه ثلاثمائة وعشرين سنة.