مكان شريف من المسجد لا يدخله سواها وهو المحراب فيما قيل. والظاهر أنّها دفعتها إليهم بعد مدّة إرضاعها.
فأقامت في المسجد تعبد الله وتقوم بسدانة البيت في نوبتها حتى كان يضرب بها المثل في عبادتها، وظهرت عليها الأحوال الشريفة والكرامات كما قصّه القرآن. وكانت خالتها إيشاع زوج زكريا أيضا عاقرا، وطلب زكريّا من الله ولدا، فبشره بيحيى نبيا كما طلب، لأنه قال يرثني ويرث من آل يعقوب وهم أنبياء فكان كذلك. وكان حاله في نشوه وصباه عجبا وولد في دولة هيردوس ملك بني إسرائيل، وكان يسكن القفار ويقتات الجراد ويلبس الصوف من وبر الإبل، وولّاه اليهود الكهنونية ببيت المقدس، ثم أكرمه الله بالنّبوّة كما قصه القرآن. وكان لعهده على اليهود بالقدس أنطيفس بن هيردوس وكان يسمى هيردوس [٢] باسم أبيه، وكان شريرا فاسقا واغتصب امرأة أخيه وتزوّجها ولها ولدان منه، ولم يكن ذلك في شعرهم مباحا، فنكر ذلك عليه العلماء والكهنونية وفيهم يحيى بن زكريا، المعروف بيوحنان ويعرّفه النصارى بالمعمدان، فقتل جميع من نكر عليه ذلك وقتل فيهم يحيى صلوات الله عليه.
وقد ذكر في قتله أسباب كثيرة وهذا أقربها إلى الصحة.
وقد اختلف الناس هل كان أبوه حيّا عند قتله فقيل إنه لما قتل يحيى طلبه بنو إسرائيل ليقتلوه، ففرّ أمامهم ودخل في بطن شجرة كرامة له فدلهم عليه طرف ردائه خارجا منها، فشقوها بالمنشار وشق زكريا فيها نصفين. وقيل بل مات زكريا قبل هذا والمشقوق في الشجرة إنما هو شعيا النبي وقد مرّ ذكره. وكذلك اختلف في دفنه فقيل دفن ببيت المقدس وهو الصحيح. وقال ابو عبيد بسنده إلى سعيد بن المسيب أنّ بخت نصّر لما قدم دمشق وجد دم يحيى بن زكريّا يغلي، فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن دمه. ويشكل أنّ يحيى كان مع المسيح في عصر واحد باتفاق وأنّ ذلك كان بعد بخت نصّر بأحقاب متطاولة وفي هذا ما فيه. وفي الإسرائيليات من تأليف يعقوب بن يوسف النجّار أنّ هيردوس قتل زكريا عند ما جاء المجوس للبحث عن إيشوع والإنذار به، وأنه طلب ابنه يوحنّا ليقتله مع من قتل من صبيان بيت لحم، فهربت به أمّه إلى الشقراء واختلفت. فطالب به أباه زكريّا وهو كهنون في الهيكل، فقال لا