للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محيي الدّين النّوويّ بمثل ذلك. والفنّ شريف في مغزاه لأنّه معرفة ما يحفظ به السّنن المنقولة عن صاحب الشّريعة. وقد انقطع لهذا العهد تخريج شيء من الأحاديث واستدراكها على المتقدّمين إذ العادة تشهد بأنّ هؤلاء الأئمّة على تعدّدهم وتلاحق عصورهم وكفايتهم واجتهادهم لم يكونوا ليغفلوا شيئا من السّنّة أو يتركوه حتّى يعثر عليه المتأخّر، هذا بعيد عنهم وإنّما تنصرف العناية لهذا العهد إلى تصحيح الأمّهات المكتوبة وضبطها بالرّواية عن مصنّفيها والنّظر في أسانيدها إلى مؤلّفها وعرض ذلك على ما تقرّر في علم الحديث من الشّروط والأحكام لتتّصل الأسانيد محكمة إلى منتهاها. ولم يزيدوا في ذلك على العناية بأكثر من هذه الأمّهات الخمس إلّا في القليل. فأمّا البخاريّ وهو أعلاها رتبة فاستصعب النّاس شرحه واستغلقوا منحاه من أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطّرق المتعدّدة ورجالها من أهل الحجاز والشّام والعراق ومعرفة أحوالهم واختلاف النّاس فيهم.

ولذلك يحتاج إلى إمعان النّظر في التّفقه في تراجمه لأنّه يترجم التّرجمة ويورد فيها الحديث بسند أو طريق ثمّ يترجم أخرى ويورد فيها ذلك الحديث بعينه لما تضمّنه من المعنى الّذي ترجم به الباب. وكذلك في ترجمة وترجمة إلى أن يتكرّر الحديث في أبواب كثيرة بحسب معانيه واختلافها ومن شرحه ولم يستوف هذا فيه فلم يوفّ حقّ الشّرح كابن بطّال وابن المهلّب وابن التّين ونحوهم. ولقد سمعت كثيرا من شيوخنا رحمهم الله يقولون: شرح كتاب البخاريّ دين على الأمّة يعنون أنّ أحدا من علماء الأمّة لم يوفّ ما يجب له من الشّرح بهذا الاعتبار. وأمّا صحيح مسلّم فكثرت عناية علماء المغرب به وأكبّوا عليه وأجمعوا على تفصيله على كتاب البخاريّ من غير الصّحيح ممّا لم يكن على شرطه وأكثر ما وقع له في التّراجم. وأملى الإمام المارزيّ من فقهاء المالكيّة عليه شرحا وسمّاه (المعلّم بفوائد مسلم) اشتمل على عيون من علم الحديث وفنون من الفقه ثمّ أكمله القاضي عيّاض من بعده وتمّمه وسمّاه إكمال المعلّم وتلاهما محيي

<<  <  ج: ص:  >  >>