لتكثر علينا من السلام؛ فانصرف معه رسول الله ﷺ، فأمر له سعد بغُسْل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو وَرْس، فاشتمل بها، ثم رفع رسول الله يديه، وهو يقول:(اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة).
وقد كان قيس بن سعد من أعظم الناس جُوداً وكرماً، وقال رسول الله ﷺ عن قيس بن سعد بن عبادة: إنه من بيت جُود، وفي سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ جاءَ الخبر أن قريشاً سمعوا صائحاً يصيح ليلاً على أبي قُبَيس:
فإن يُسْلِم السعدان يُصْبحْ محمدٌ … بمكة لا يَخْشى خلاف مُخَالف
قال: فظنّتِ قريش أنه يعني سعد بن زيد مناة بن تميم، وسعد هذيم، من قضاعة، فسمعوا الليلة الثانية قائلاً:
أجيبا إلى داعي الهُدى وتمنَّيا … على الله في الفردوس مُنية عارف
وإن ثواب الله للطالب الهدى … جِنان من الفردوس ذات زخارف
فقالوا: هذا سعدُ بن معاذ، وسعدُ بن عبادة.
ولما كان غزوة الخندق بذل رسول الله ﷺ لعُيينة بن حصن ثلث ثمار المدينة، لينصرف بمن معه من غطفان، واستشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دون سائر الناس، فقالا: يا رسول الله، إن كنت أُمِرْت بشيء فافعله، وإن كان غير ذلك فوالله ما نعطيهم إلا السيف، فقال رسول الله ﷺ:(لم أؤمر بشيء، وإنما هو رَأيٌ أعرضه عليكما)، قالا: يا رسول الله، ما طمِعوا بذلك منا قط في الجاهلية، فكيف اليوم، وقد هدانا الله بك فسر النبي ﷺ بقولهما.
وكانت راية رسول الله ﷺ بيد سعد بن عبادة يوم الفتح، فمَرّ بها على أبي سفيان، وكان أبو سفيان قد أسلم، فقال له سعد: اليوم يوم المَلْحَمة، اليوم تُسْتحلّ الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً، فلما مر رسول الله ﷺ في كتيبة من الأنصار، ناداه أبو سفيان: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك، زعم سعد أنه قاتِلُنا، وقال عثمان، وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله، ما نأمن سعداً أن تكون منه صَوْلَة في قريش، فقال رسول الله:(يا أبا سفيان، اليوم يوم المَرْحَمَة، اليوم أعز الله قريشاً)؛ فأخذ رسول الله ﷺ اللواء من سعد، وأعطاءه ابنه قيساً، وقيل: أعطى اللواء الزبير بن العوام، وقيل: أمر علياً فأخذ اللواء، ودخل به مكة.