لكِنَّنِي أَسأَلُ الرحمنَ مَغْفِرَةً … وضربةً ذات فَرْغ يقذف الرَّبَدَا
أو طعْنَةً بيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزةً … بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الأحْشَاءَ والكَبِدَا
حتى يقولوا إذا مروا على جَدَثي … يا أرشد الله من غَازٍ وقد رَشدا
ثم أتى عبدُ الله رسول الله ﷺ فودَّعه، ثم خرج القوم حتى نزلوا (مَعَان) فبلغهم أنَّ هرقل نزل بمَآبٍ في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة .. فأقاموا بمَعَان يومين، وقالوا: نبعثُ إلى رسول الله ﷺ فنخبره بكثرةِ عَدُوِّنا، فإما أن يَمُدَّنا، وإما أنْ يأْمرنا أمراً. فشجَّعَهم عبدُ الله بن رواحة، فساروا وهم ثلاثة آلاف حتى لحقوا جموع الروم بقرية من قُرَى البلقاءِ، يقال لها: مشارف. ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة.
وروى عبد السلام بن النعمان بن بَشِير: أن جعفر بن أبي طالب حين قُتِل دعا الناس عبد الله ابن رواحة، وهو في جانب العسكر، فتقدم فقاتل، وقال يخاطب نفسه:
يا نفسُ إلاَّ تُقْتَلِي تَمُوتِي … هذا حِياضُ المَوْت قد صَلِيتِ
وما تمنَّيْتِ فقد لَقِيتِ … إن تفعلي فِعْلَهما هُدِيتِ
وإنْ تأَخَّرْتِ فقد شَفِيتِ
يعني زيداً وجعفراً. ثم قال: يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانة امرأته فهي طالق، وإلى فلان وفلان غلمان له فهم أحرار، وإلى معجف حائط له فهو لله ولرسوله.
ثم قال:
يا نفسُ مَالَكِ تَكرَهِينَ الجَنَّهْ … أُقْسِم بِالله لِتَنْزِلِنَّهْ
طائعة أو لَتُكْرَهِنَّه … فطالما قد كنت مُطْمَئِنَّهْ
هل أنت إلا نطفة في شَنَّه … قد أَجْلَبَ الناسُ وَشَدُّوا الرَّنَّهْ