قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعاً، فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح، فتفاءلت ذبحاً يقع في العرب. فعلمت أن النبي ﷺ قد قُبِض، أو هو ميت من علته، فركبت ناقتي وسرت، فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجر به، فَعَنَّ لي شَيْهَم يعني القنفذ وقد قبض على صلَ وهي الحية فهي تلتوي عليه، والشَّيْهَم يعْضُها حتى أكلها، فزجرت ذلك فقلت: الشيهم شيءٌ مهم، والتواءُ الصل التواءُ الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله ﷺ، ثم أوَّلت أكْلَ الشَّيْهَم إياها غلبةَ القائم بعده على الأمر. فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة زَجرْتُ الطائر، فأخبرني بوفاته. ونَعَب غراب سانح فنطق بمثل ذلك، فتعوذت بالله من شر ما عَنَّ لي في طريقي. وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله ﷺ. فجئت المسجدَ فوجدتهُ خالياً، وأتيت بيتَ رسول الله ﷺ فأصبت بابه مُرْتَجاً، وقيل: هو مُسَجى، وقد خلا به أهله. فقلت: أين الناس؟ فقالوا: في سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار. فجئت إلى السقيفة فوجدت أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة بن الجراح، وسالماً، وجماعة من قريش. ورأيت الأنصار فيهم: سعد بن عبادة، وفيهم شعراؤُهم: كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، ومَلأ منهم. فآويت إلى قريش وتكلمت الأنصار فأطالوا الخِطاب، وأكثروا الصواب. وتكلم أبو بكر فلله دَرُّه من رجل لا يطيل الكلام، يعلم مواضع فصل الخصام والله لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا إنقاد له، ومال إليه. ثم تكلم عمر بعده بدون كلامه، ثم مدَّ يدَه فبايعه وبايعوه. ورجع أبو بكر فرجعت معه. قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد ﷺ، وشهدت دفنه. ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبي ﷺ: