وأقام أبو العاص بمكة على شِركه، حتى كان قُبَيل الفتح خرج بتجارة إلى الشام، ومعه أموال من أموال قريش، ومعه جماعة منهم، فلما عاد لقيته سرية لرسول الله ﷺ أميرهم زيدُ بن حارثة، فأخذ المسلمون ما في تلك العير من الأموال، وأسروا أُناساً، وهرب أبو العاص ابن الربيع ثم أتى المدينة ليلاً، فدخل على زينب فاستجار بها، فأجارته. فلما صلى النبي ﷺ صلاة الصبح صاحت زينب: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع. فلما سَلّم رسول الله ﷺ أقبل على الناس، وقال: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: أمَا والذي نفسي بيده ما علمت بذلك حتى سمعته كما سمعتم؟ وقال:(يُجير على المسلمين أدناهم). ثم دخل رسول الله ﷺ على ابنته فقال:(أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك، فإنك لا تَحلّين له). قالت: إنه قد جاء في طلب ماله. فجمع رسول الله ﷺ تلك السرية، وقال: إن هذا الرجل منا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالاً، وهو مما أفاءه الله عليكم، وأنا أُحب أن تحسنوا وتردّوا عليه الذي له، فإن أبيتم فأنتم أحق به. فقالوا: بل نردّه عليه. فردّوا عليه ماله أجمع، فعاد إلى مكة وأدّى إلى الناس أموالهم. ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، والله ما منعني من الإسلام إلا خوفاً أن تظنوا بي أكل أموالكم. ثم قَدِم على رسول الله ﷺ مسلماً، وحسُن إسلامه، وردَّ عليه رسول الله ﷺ ابنتَه زينبَ بنكاح جديد، وقيل: بالنكاح الأول.
وقال ابن منده: ردّ النبيّ ﷺ ابنتَه على أبي العاص بعد سنتين بنكاحها الأوّل.
ووُلِد له من زينب عَلِيُّ بن أبي العاص وقد ذكرناه وأُمامة بنت أبي العاص، ويرد ذكرها في الكنى إن شاء الله تعالى.
ولما أرسل رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب إلى اليمن، سار معه. وكان مع علي أيضاً لما بُويع أبو بكر، وتوفيت زينب وهي عند أبي العاص، وتوفي أبو العاص سنة اثنتي عشرة.
أخرجه الثلاثة.
قلت: قول ابن منده: (فإن النبي ﷺ ردّ زينب بعد سنتين). وليس بشيءٍ؛ فإن أبا العاص أرسلها بعد بدر، وكانت بدر في السنة الثانية، وأسلم أبو العاص قبيل الفتح أوّل السنة الثامنة،