مالاً، اللهم ارزق ثعلبة مالاً)، فاتّخذ غنماً فنمت كما ينمي الدود، فكان يصلي مع رسول الله ﷺ الظهر والعصر، ويصلي في غنمه سائر الصلوات، ثم كثرت ونمت، فتقاعد أيضاً حتى صار لا يشهد إلاّ الجمعة، ثم كثرت ونمت فتقاعد أيضاً حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة، وكان إذا كان يوم جمعة خرج يتلقّى الناس يسألهم عن الأخبار فذكره رسول الله ﷺ ذات يوم فقال:(ما فعل ثعلبة؟) فقالوا: يا رسول الله، اتخذ ثعلبة غنماً لا يسعها واد، فقال رسول الله ﷺ:(يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة)، وأنزل الله آية الصدقة، فبعث رسول الله ﷺ رجلاً من بني سليم، ورجلاً من بني جهينة، وكتب لهما أسنان الصدقة كيف يأخذان وقال لهما:(مرا بثعلبة بن حاطب، وبرجل من بني سليم، فخدا صدقاتهما)، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله ﷺ فقال: ما هذه إلاّ جزية: ما هذه إلاّ أخت الجزية: انطلقا حتى تفرّغا ثم عودا إليّ، فانطلقا وسمع بهما السلمي، فنظر إلى خيار أسنان إبله، فعزلها للصدقة، ثم استقبلهما بها، فلما رأياها قالا: ما هذا عليك، قال: خذاه فإن نفسي بذلك طيبة، فمرا على الناس وأخذا الصدقة، ثم رجعا إلى ثعلبة، فقال: أروني كتابكما، فقرأه فقال: ما هذه إلاّ جزية، ما هذه إلاّ أخت الجزية، اذهبا حتى أرى رأيي، فأقبلا فلما رآهما رسول الله ﷺ قبل أن يكلِّماه قال:(يا ويح ثعلبة)، ثم دعا للسلمي بخير، وأخبراه بالذي صنع ثعلبة، فأنزل الله ﷿: ﴿ومِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ الله لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ)﴾ إلى قوله: ﴿وَبِمَا كَانُوا يَكْذِيُونَ﴾ وعند رسول الله ﷺ رجل من أقارب ثعلبة سمع ذلك، فخرج حتى أتاه، فقال: وَيْحَك يا ثعلبة، قد أنزل الله ﷿ فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي ﷺ، فسأله أن يقبل منه صدقته فقال:(إن الله ﵎ منعني أن أقبل منك صدقتك، فجعل يحثي التراب على رأسه، فقال رسول الله ﷺ: (هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني)، فلما أبى رسول الله ﷺ أن يقبض صدقته رجع إلى منزله، وقُبِض رسول الله ﷺ ولم يَقْبِض منه شيئاً.
ثم أتى أبا بكر ﵁ حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله ﷺ وموضعي من الأنصار فأقبل صدقتي، فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله منك، أنا أقبلها؟ فقبض أبو بكر ﵁ ولم يقبلها.
فلما ولي عمر أتاه فقال: يا أمير المؤمنين، اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها منك رسول الله ﷺ ولا أبو بكر، أنا أقبلها؟ فقبض ولم يقبلها.
ثم ولي عثمان ﵁ فأتاه فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله