أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفراتي الفقيه الشافعي، أخبرنا أبو محمد يحيى ابن علي بن الطراح، أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن محمد المهتدي بالله، أخبرنا محمد بن يوسف بن دُوسْت العلاف، أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، حدّثنا عبد الله بن عون، أخبرنا يوسف بن عطية، عن ثابت البناني، عن أنس، قال: بينما رسول الله ﷺ يمشي إذ استقبله شاب من الأنصار، فقال له النبي ﷺ:(كيف أصبحت يا حارث؟) قال: أصبحت مؤمناً بالله حقاً، قال:(انظر ماذا تقول؟ فإن لكل قول حقيقة) قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني بعرش ربي ﷿ بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيه، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوَوْن فيها، قال:(الزم؛ عبد نور الله الإيمان في قلبه)، فقال: يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فدعا له رسول الله ﷺ، فنودي يوماً في الخيل، فكان أول فارس ركب، وأول فارس استشهد، فبلغ ذلك أمه، فجاءت رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، إن يكن في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في دار الدنيا، قال:(يا أم حارثة، إنها ليست بجنة واحدة، ولكنها جنان، وإن حارثة في الفردوس الأعلى) فرجعت أمه، وهي تضحك، وتقول:(بخ بخ لك يا حارثة).
قيل: إنه أول من قتل من الأنصار ببدر، وقال ابن منده: إنه شهد بدراً، واستشهد يوم أحد، وأنكره أبو نعيم، وأتبع ابن منده قوله ذلك بروايته عن ابن إسحاق وأنس، أنه أصيب يوم بدر.
أخرجه الثلاثة.
قلت: قد ذكر أبو نعيم أن النبي ﷺ رآه في الجنة فقال: (كذلكم البر)، وكان باراً بأمه، وهو وهم، وإنما الذي رآه النبي ﷺ هو حارثة بن النعمان، ذكره غير واحد من الأئمة، منهم: أحمد ابن حنبل، ذكره في مسنده أن النبي ﷺ قال:(نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، فقلت: كذلك البر).
وقد تقدّم ذكر حارثة بن سراقة في حارثة بن الربيع، وهو هذا، ولولا أننا شرطنا أن لا نخل بترجمة، لتركنا تلك، واقتصرنا على هذه.
الربيع: بضم الراء وتشديد الياء: تحتها نقطتان، تصغير ربيع، وحبان: بكسر الحاء وآخره نون، وقيل غير ذلك، وهذا أصح، والله أعلم.