إذ جاء خَبَّاب بن الأرتّ، فجلس فسكت، فقال له القوم: إن أصحابك قد اجتمعوا إليك لتحدِّثَهم أو لتأمرهم. قال: بم آمرهم؟ ولعلي آمرهم بما لست فاعلاً.
وروى قيس بن مسلم، عن طارق، قال: عاد خبَّاباً نفرٌ من أصحاب رسول الله ﷺ، فقالوا: أبشر أبا عبد الله ترد على إخوانك الحوض، فقال: إنكم ذكرتم لي إخواناً مضوا، ولم ينالوا من أجورهم شيئاً، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما نخاف أن يكون ثواباً لتلك الأعمال، ومرض خبَّاب مرضاً شديداً طويلاً.
أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد بإسناده إلى مسلم بن الحجاج، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخلنا على خباب وقد اكتوى سبع كيات، فقال: لولا أن رسول الله ﷺ نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به.
ونزل الكوفة ومات بها، وهو أول من دفن بظهر الكوفة من الصحابة، وكان موته سنة سبع وثلاثين.
قال زيد بن وهب: سرنا مع علي حين رجع من صِفِّين، حتى إذا كان عند باب الكوفة إذا نحن بقبور سبعة عن أيماننا، فقال: ما هذه القبور؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن خباب بن الأرث توفي بعد مخرجك إلى صفين، فأوصى أن يدفن في ظاهر الكوفة، وكان الناس إنما يدفنون موتاهم في أفنيتهم، وعلى أبواب دورهم، فلما رأوا خباباً أوصى أن يدفن بالظهر دَفَنَ الناس. فقال عليٌّ ﵁: رحم الله خباباً؛ أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلى في جسمه، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً، ثم دنا من قبورهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا سلف فارط ونحن لكم تبع عما قليل لاحق، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم، طوبى لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، وأرضى الله ﷿.
قال أبو عمر: مات خباب سنة سبع وثلاثين بعد ما شهد صفين مع عليّ ﵁ والنهروان، وصلى عليه عليّ، وكان عمره إذ مات ثلاثاً وسبعين سنة، قال: وقيل: مات سنة تسع عشرة، وصلى عليه عمر ﵁.