ففعل، فأخبره قال: إنه حق، وإنه رسول الله ﷺ، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك فمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ﷺ ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه. فقال له النبي ﷺ:(ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري). قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. فقام القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباسُ فأكبَّ عليه وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه طريق تجاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه.
وروينا في إسلامه الحديث الطويل المشهور، وتركناه خوف التطويل.
وتوفى أبو ذر بالرَّبَذة سنة إحدى وثلاثين، أو اثنتين وثلاثين. وصلى عليه عبد الله ابن مسعود، ثم مات بعده في ذلك العام.
وقال النبي ﷺ:(أبو ذر في أمتي على زهد عيسى ابن مريم).
وقال علي: وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه، ثم أوكيْ عليه فلم يُخرِج منه شيئاً.
أخبرنا أبو جعفر بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق قال: حدُّثني بُرَيدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله ﷺ إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول:(دعوه، إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه). حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر. فقال رسول الله ﷺ ما كان يقوله، فتلوَّم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخَذَ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يَتْبَع رسول الله ﷺ ماشياً، ونظر ناظر من المسلمين فقال: إن هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله ﷺ:(كن أبا ذر). فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر. فقال رسول الله ﷺ: (يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر