ليخطب، فقال: لا حاجة بنا إلى ذلك، فقال عمرو: لكني أريد ذلك ليبدو عَيُّه؛ فإنه لا يدري هذه الأمور، فقال له معاوية: قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا؛ فقام الحسن في أمر لم يُرَوّ فيه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال في بديهته: أما بعد، أيها الناس، فإن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، ألا إن أكيس الكَيْس التقي، وإن أعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه: إما أن يكون أحق به مني، وإما أن يكون حقي تركته لله ﷿، ولإصلاح أمة محمد ﷺ حقن دمائكم، ثم التفت إلى معاوية وقال: ﴿وَإنْ أدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لكُمْ وَمَتَاعٌ إلى حِين﴾.
فأمره معاوية بالنزول، وقال لعمرو: ما أردت إلا هذا.
وقد اختلف في وقت وفاته؛ فقيل: توفي سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكانَ يخضِبُ بالوسْمة.
وكان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس سقته السم، فكان توضع تحت طست، وترفع أخرى نحو أربعين يوماً، فمات منه، ولما اشتد مرضه قال لأخيه الحسين ﵄: يا أخي سقيت السم ثلاث مرات لم أسْقَ مثل هذه، إني لأضَع كبدي، قال الحسين: من سقاك يا أخي؟ قال: ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكِلهُم إلى الله ﷿. ولم حضرته الوفاة أرسل إلى عائشة يطلب منها أن يدفن مع النبي ﷺ، فأجابته إلى ذلك، فقال لأخيه: إذا أنا مِت فاطلب إلى عائشة أن أدفن مع النبي ﷺ، فلقد كنت طلبت منها فأجابت إلى ذلك، فلعلها تستحيي مني، فإن أذنَتْ فادفني في بيتها، وما أظن القوم، يعني بني أمية، إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك، وادفني في بقيع الغرقد.
فلما توفي جاء الحسين إلى عائشة في ذلك فقالت: نعم وكرامة، فبلغ ذلك إلى مروان وبني أمية فقالوا: والله لا يدفن هناك أبداً. فبلغ ذلك الحسينَ فلبس هو ومن معه السلاح، ولبسه مروان، فسمع أبو هريرة فقال: والله إنه لظلم؛ يمنع الحسن أن يدفن مع أبيه والله إنه لابن رسول الله ﷺ، ثم أتى الحسين فكلمه وناشده الله؛ فقال: أليس قد قال أخوك: إن