فقال له عمرو:«فأنت أبصر.» فجدع قصير أنف نفسه، وأثّر بظهره، وقيلت فيه الأشعار. وخرج قصير كأنّه هارب، وأظهر أنّ عمرا فعل به ذلك، وأنّه يزعم أنّه مكر بخاله جذيمة، وغرّه من الزبّاء.
فسار قصير حتّى قدم على الزبّاء. فقيل لها:«إنّ قصيرا بالباب.» فأمرت به، فأدخل عليها، فإذا أنفه قد جدع وظهره قد ضرب.
فقالت:«ما الذي أرى بك يا قصير؟» قال: «زعم عمرو أنّى غررت خاله، وزيّنت له المسير إليك، وغششته، ومالأتك [١] عليه، ففعل بى ما ترين، فأقبلت إليك، وعرفت أنّى لا أكون مع أحد هو أثقل [٩١] عليه منك.» فأكرمته، وأصابت عنده حزما ورأيا وتجربة ومعرفة بأمور الملوك. فلمّا علم أنّها قد وثقت به، واسترسلت إليه، قال لها:
- «إنّ لى بالعراق أموالا كثيرة، وبها طرائف وثياب وعطر، فابعثني إلى العراق لأحمل مالي، وأحمل إليك من بزوزها، وطرائف ثيابها، وصنوف ما يكون بها من الأمتعة، والطيب، والتجارات، فتصيبين ما لا غناء للملوك عنه، مع أرباح عظيمة، فإنّه لا طرائف كطرائف العراق.» فلم يزل بها يزيّن لها ذلك، حتّى سرّحته، ودفعت إليه أموالا، وجهّزت معه عيرا، وقالت:
- «انطلق إلى العراق، فبع بها ما جهّزناك به، وابتع لنا طرائف ما يكون بها.» فسار قصير، وأتى الحيرة متنكّرا، فدخل على عمرو، وأخبره بالخبر، وقال:
- «جهّزنى بالبزّ والطرف من الأمتعة، لعلّ الله يمكّن من الزبّاء، فتصيب ثأرك،