لما سمع أولاد ناصر الدولة باضطراب بختيار وسوء سياسته وشغله عن تدبير الملك باللعب والسكر الدائم وشغب جنده وانخراق هيبته همّوا بإخراج الأموال والانحدار إلى بغداد ومقارعة بختيار عن سرير الملك، فقال لهم أبوهم ناصر الدولة:
- «لا تعجلوا فإنّ معزّ الدولة قد خلّف لابنه خميرة [١] من المال يسيرة وسيفرّقها على جنده هؤلاء وسيجذب أيضا كتّابه وعمّاله من نواحيه ومن مصادرات أسبابه ما أمكنهم ولستم بمستظهرين عليه ولا [٣٠٤] متمكّنين من دولته إلّا بعد أن تفنى حيله وتخلو يده. فإذا كان ذلك الوقت فانحدروا إليه وكاثروه بالمال وأفسدوا عليه قلوب الرجال، فإنّكم تملكونه لا محالة.» وكان الرأى ما قال، فإنّ معزّ الدولة كان أتلف ماله على البناء الذي أحدثه وعلى الأتراك الذين اصطنعهم وكان مقدار ما خلّفه أربعمائة ألف دينار فأخرجها بختيار شيئا بعد شيء عند الضرورات وعند اجتداد المطالبات.
وكان كتّابه يستقرضون منه لهذه المهمات على أن يردّوا العوض عنه ثم لا يتمكنون من الوفاء حتى استغرقت النفقات والنوائب جميع ذلك بعد مديدة يسيرة.
واختلفت كلمة بنى حمدان فشغلوا عن مشورة أبيهم وكان مبدأ الشر بينهم أنّ أبا تغلب قبض على أبيه ناصر الدولة لما رءاه قد كبر ولم يبق فيه بقية غير سوء الخلق والتقتير على أولاده وعلى حاشيته. فلما قبض عليه أصعده