- «ما كنت في موطن مذ عقلت وأنا أعرف فيه أمرى غير موطني هذا.» قالت: «ما تريد أن تصنع؟» قال: «أريد أن أدعهم وأذهب.» قال له ابنه عبد الله: «جمعت هذين الغارّين حتى إذا جرّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب. أحسست رايات بن أبى طالب وعلمت أنها فتية أنجاد.» فغضب الزبير حتى أرعد، ثم قال:
- «ويحك! إنّى قد حلفت ألّا أقاتله.» قال: كفّر عن يمينك.
فدعا غلاما له يقال له: مكحول، فأعتقه. فقال عبد الله بن سليمان التيمىّ:
لم أر كاليوم أخا إخوان ... أعجب من مكفّر الأيمان
بالعتق في معصية الرحمان
وإنّما حكينا هذه الحكاية، لأنّ فيها تجربة تستفاد، وإن ذهب ذلك على قوم، فإنّا ننبّه عليه، وذلك أنّ المحنق ربما سكّن بالكلام الصحيح، والساكن ربما أحنق بالزور من الكلام، وذلك بحسب تأتّى من يريد ذلك، وإتيانه من وجهه. [٥٥٢]
ما يحفظ من كلام الأحنف في الاعتزال وحضّ الناس عليه
إنّه لما رجع من عند علىّ لقيه هلال بن وكيع، وهو سيّد رهطه، فقال:
- «ما رأيك؟» قال: «مكاتفة أمّ المؤمنين. أفتدعنا؟ وتعزل عنّا؟ وأنت سيّدنا؟» قال: «إنّما أكون سيدكم غدا إذا قتلت وبقيت.»