وكان لا يأتيه من فارس مادّة، فضاق الأمر عليه. فحازهم المهلّب حتّى خرجوا إلى كرمان، وتبعهم المهلّب حتّى نزل بجيرفت وقاتلهم أكثر من سنة قتالا شديدا حتّى حازهم عن فارس كلّها. فلما صارت فارس كلّها فى يد المهلّب، بعث الحجّاج عليها عمّاله وأخذها من المهلّب.
فبلغ ذلك عبد الملك فكتب إلى الحجّاج:
- «أمّا بعد، فدع بيد المهلّب خراج فارس وحيالها، فإنّه لا بدّ للجيش من قوّة، ولا لصاحب الجيش من معونة، ودع له كورة فسّا ودار بجرد، وكورة إصطخر.» فتركها للمهلّب. فبعث المهلّب عليهما عمّاله وكانتا قوّة له، وأقام المهلّب على قتال الأزارقة.
[ذكر اختلاف كلمة الخوارج إلى أن هلكوا بأجمعهم]
فلم يزالوا يقتتلون إلى أن بعث قطرىّ عاملا له على ناحية كرمان يقال له المقعطر، فقتل رجلا كان ذا بأس من الخوارج، فوثبت الخوارج [٣٩٢] إلى قطرىّ، فذكروا ذلك له وقالوا له:
- «أمكنّا من المقعطر نقتله بصاحبنا.» فقال لهم:
- «ما أرى أن أفعل. رجل تأوّل فأخطأ فى التأويل. ما أرى أن تقتلوه وهو من ذوى الفضل والسابقة فيكم.» قالوا:
- «بلى!» فقال لهم:
- «لا!» فوقع الاختلاف بينهم. فولّوا عبد ربّ الكبير [١] وخلعوا قطريّا، وبقي مع القطرىّ عصابة نحو من ربعهم. وبلغ ذلك الحجّاج فكتب إلى المهلّب:
[١] . كذا فى الأصل والطبري (٨: ١٠٠٦) : عبد ربّ الكبير، وما فى مط: عند ربّ الكبير!