قلت:«بلى.» قال: «أما تعلم أنّ الصانع إنّما يتعب حتى ينصب هذه الآلة وينظمها ثم يكفيه بعد ذلك أن يتتبع أذناب تلك المغازل ويتعاهدها بالفتل؟ فنحن قد أحكمنا الآلة والمغازل دائرة والإبريسم ممدود والفتل مستمرّ به، فإذا فارقنا الموضع ابتدأت القوة التي فى الدوران تضعف وليس لها من يمدها بحركة فيبتدئ فى الاسترخاء وتضعف سرعة دوران المغازل ثم تبتدئ فى الانتكاث وتنقلب راجعة بعكس ما كانت تدور، ثم لا تجد أيضا من يتعاهدها فيتساقط أولا أولا حتى لا يبقى منها شيء.» فكأنّ هذا المثل كان وحيا فإنّه ما أخطأ شيئا من صورة إبراهيم بعد خروجنا وانتهى أمره بعد ذلك النظم الذي نظم له إلى أن طمع فى ملكه حتى انسلخ منه شيئا بعد شيء إلى أن أسر وحبس فى بعض تلك القلاع كما سنحكيه فيما بعد إن شاء الله. [٢٩٥]
ودخلت سنة ستّ وخمسين وثلاثمائة
وفيها قصد معزّ الدولة عمران بن شاهين صاحب البطائح
وكان قد صمّم على مناجزته وأبى أن يقبل منه صلحا ومالا أو يرضى منه إلّا بحضور بساطه.
فاتّفق أن اعتل من ذرب لحقه وأحسّ بالضعف، فعاد إلى واسط وخلّف على عسكره سبكتكين الحاجب، وظنّ أنّه يتماثل فيعاود، واشتدت به العلة وكان لا يثبت فى معدته طعام وأحسّ بالموت ورجع إلى بغداد.
عهد معزّ الدولة إلى ابنه
وعهد إلى ابنه بختيار عزّ الدولة وأظهر التوبة وأحضر وجوه المتكلمين