وعرضها على ترتيب تاريخىّ لائق، عزم على أن يصنّف تاريخه كبناء عضوي يكون الفكر الأساسى المحدّد عنصرا بنّاء في الكتاب بأسره، رابطا كلّ أجزاء التصنيف بعضها ببعض.
يرى القارئ على صفحات هذا الكتاب عنصرا شخصيا لا يجده في المصنّفات التاريخيّة الأخرى المؤلّفة في تلك الحقبة.
إنّ تجارب الأمم- وبصورة جلّية- عمل فكرى نتج عن ذهن استدلالى بنّاء، يسوده انطباع سام من غرض المؤرّخ وواجبه، وبهذا، يبدى مسكويه فضلا كبيرا على من سبقه أو عاصره من المؤرّخين الذين كتبوا آثارهم باللغة العربية. إنّه لا يرضيه مجرّد جمع المادة التاريخيّة وعرضها في ترتيب تاريخىّ، لأنّه يعتقد أنّ أحداث الماضي تترابط في ما بينها بشبكة من المصالح الإنسيّة. وفي الحقيقة، فإنّ التاريخ- كما يراه مسكويه- ليس غير هذا، كما يرى العاقل في رواية التاريخ الحقّة ينبوعا من العلم الثمين (كيتانى، المقدمة. (IIX- IXL:
إنّ مسكويه لا يميل إلى أحد في كتابة التاريخ، ولا يحيد به عن المنهج القويم أىّ انتماء.
«لقد كتب تاريخه- كما نبّه عليه مرجوليوث أيضا- في حياد تامّ، مع أنّه عاش في خدمة الأمراء والوزراء البويهيّين، وكان من المتوقع أن يشيد بهم ويمدحهم، ولا يتعرّض لنقدهم أبدا، في حين نراه لم يمل إليهم في كتابة التاريخ،» ولم يراع جانبهم في ما كتبه عنهم، بل نراه يؤاخذهم على أشياء في سلوكهم وتدابيرهم.
[مصادر مسكويه في كتابة التاريخ]
صرّح مسكويه بأنّه لمّا قرأ أخبار الأمم، وسير الملوك، وأخبار البلدان، وكتب التواريخ (أنظر مقدّمة المصنّف) وجد فيها ما تستفاد منه تجربة، وهذا دليل واضح على تعدّد مصادره، في كتابة التاريخ. بيد أنّه اعتمد اعتمادا كلّيا على الطبري (٢٢٤- ٣١٠ هـ.) ، كما اعتمد على المصادر الأخرى التي تتنوّع وتختلف، حسب الفترات التاريخيّة التي أرّخها في تصنيفه، وحسب مصادر كانت في متناوله، بحيث لا يمكن عدّها وحصرها إلّا بعدّ المصرّح منها في الكتاب، وحصر غير المصرّح منها بإرجاع نقول مسكويه المختلفة إلى أصولها وأصحابها، وهذا يتطلّب دراسة مستقلة قد تأخذ وقتا طويلا. فمصادر مسكويه حسب هذه العجالة هي: