ذكر السبب فى هذه النكبة وضعف معزّ الدولة بعد الاستعلاء
كان من عادة ناصر الدولة إذا تنحى من بين يدي معزّ الدولة ألّا يترك فى البلد لا كاتبا [٢٢٦] ولا دليلا [١] ولا أحدا ممّن يعرف نفع السلطان وضرّه ويحشرهم إلى قلاعه مع حسباناته ودواوينه. ثم يأمر الصعاليك والعرب أن يتطرّفوا البلد ويمنعوا العلّافة ومن يخرج لطلب العلف والطعام إلّا أن يكون معهم عسكر قوىّ فإذا رأوا عسكرا قويا لم يظهروا ولم يتعرضوا وكان غرضه فى ذلك أن يضيق المير والعلوفات فينصرف عنه معزّ الدولة. ففعل ذلك فى هذا الوقت.
وبلغ معزّ الدولة كثرة الغلات بنصيبين وكانت للسلطان فقصدها وخلّف حاجبه سبكتكين بالموصل. فلمّا صار ببرقعيد بلغه أن أبا المرجّى وهبة الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فعمل على كبسهما وندب لذلك جماعة من القواد الكبار وجعل الرئيس عليهم تكين الجامدار- وكان غلاما أمرد وضيء الوجه منهمكا فى الشرب لا يعرف الصحو ولا تقدّمت له حنكة- فأشار الوزير المهلبي ألّا يخرجه فى مثل هذا الوجه وأن يعدل إلى أحد مشايخ القواد فلم يقبل منه وأنفذه فى خمسمائة رجل فأشرفوا على أبى المرجّى وهبة الله فأرهقوهما عن تقويض الخيم واستصحاب شيء من رجالهما وأفلتا على ظهور دوابّهما وتركوا جميع مالهم [٢٢٧] فانتهبه العسكر.
ثمّ تعجّل أصحاب معزّ الدولة إلى الخيم وتركوا الحزم فنزلوها واستقرّوا فعطف عليهم أولئك وصارت الكبسة لهم فقتلوا وأسروا وغنموا ما شاءوا.