وحملوه إليه. فأمر بجمع العمّال والمتصرفين وأن يخرج ارتفاع كل ناحية ويعرض عليهم ويزايد بينهم. فكان ينادى على النواحي بين العمّال كما ينادى على الأمتعة بين التجّار. وهذا الحديث مستطرف فى حكم النظر.
وقيل: إنّه غير مستنكر عند كتّاب الرىّ وتلك البلاد، لأنّ معاملاتهم جارية على عقود وقوانين. فأمّا العراق وما والاها فلم نسمع بمثل ذلك فيها [٢٥٤] إلّا ما كان من قديم الناس من المزايدة بين التجّار فى غلّات السلطان.
[ذكر خبر مستحسن فى ذلك]
قيل: إنّ أحد الوزراء- وأظنّه على بن عيسى والله أعلم- جمع التجّار إلى مجلس نظره فى بعض السنين ليبيع الغلّات عليهم فتقاعدوا بالأسعار على اتّفاق بينهم فبرز أحدهم فزاد زيادة توقّف عنها الباقون ظنّا منهم أنّه لن يقنع بذمّة رجل واحد دون الجماعة. لأنّه مال عظيم فأمضى الوزير البيع له.
فلمّا خافوا فوت الأمر زادوه عشرة آلاف دينار فقال الوزير:
- «قد نفذ السهم وسبق القول والغلّات للرجل والثمن لنا وله الإختيار فى قبول الزيادة منكم أو ردّها عليكم فهي له خالصة دوننا.» فسألوا الرجل قبول الزيادة أو المشاركة فقبل الزيادة وولّاهم البيع وبرئت ذمّته من الثمن وعاد إلى منزله بعشرة آلاف دينار.
فما أحسن هذا الفعل الكريم والمذهب المستقيم وكم فى أثناء الوفاء بالعقود والثبات على الشروط والصدق فى الوعود، من مصلحة خالصة وسياسة شاملة! وإن لاح فى أولاها بعض الغرم ففي عواقبها كل النعم وإذا لم يوثق بأقوال الصدور فعلام [٢٥٥] تبنى قواعد الأمور؟ والسياسة بنيان والصدق قاعدة، والبنيان يشدّ بعضه ببعضه. فإذا اضطربت القاعدة آل البنيان