واقتتلوا قتالا شديدا وكانت إبلهم زعرة تكثر الفزع من كلّ شيء. فلمّا رأى ذلك محمّد بن عبد الله القمّى جمع أجراس الإبل [٣٣٨] والخيل، التي فى معسكره كلّها فجعلها فى أعناق الخيل ثمّ حمل على البجّة فنفرت إبلهم واشتدّ رعبهم فحملتهم على الجبال والأودية فمزّقتهم كلّ ممزّق، واتبعهم القمّى بأصحابه قتلا وأسرا حتّى غشاهم الليل ولم يقدر على إحصاء القتلى لكثرتهم. فلمّا أصبح القمّى وجدهم قد جمعوا جمعا من الرجّالة ثمّ صاروا إلى موضع أمنوا فيه طلب القمّى.
فوافاهم القمّى فى الليل فى خيله فهرب ملكهم وأخذ تاجه ومتاعه ثمّ طلب الأمان على أن يردّ إلى بلاده ويؤدّى الخراج للسنين التي عليه. فأعطاه القمّى ذلك وأدّى ما عليه واستخلف على مملكته ابنه بغسى.
وانصرف القمّى بعلى بابا إلى المتوكّل فوصل إليه فى آخر سنة إحدى وأربعين فكانت غيبته دون سنة.
وكسا القمّى على بابا درّاعة ديباج وعمّامة سوداء وكسا جمله رحلا مدبّجا وجلال ديباج ليتميّز عن أصحابه، ووقف بباب العامّة مع قوم من البجّة على الإبل بالحراب وفى رؤوس حرابهم رؤوس القوم الذين قتلهم القمّى. فأمر المتوكّل أن يقبضوا من القمّى.
ثمّ ولّى المتوكّل البجّة وطريق ما بين مصر ومكّة سعدا الخادم [٣٣٩] الإيتاخى. فولّى سعد محمد بن عبد الله القمّى، فخرج القمّى بعلى بابا وهو مقيم على دينه.
[ودخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثة وأربعين [ومائتين]]