ونكون الى الخسارة أقرب منّا الى الربح.» ولعل عضد الدولة نظر [٧٠] فى هذا الوقت الى ما وجد فى سيرة المعتصم رضوان الله عليه، وهل ينكر لبنى هاشم أن يقتدى بأقوالهم أو يهتدى بأفعالهم وهم الأصدقون أقوالا، والأكرمون أفعالا، والأشرفون أنسابا، جبال الحلوم، وبحار العلوم، وأعلام الهدى، وساسة الدين والدنيا، وفرسان الحروب والمحاضر، وأملاك الاسرّة والمنابر، الى مكارمهم ينتهى الكرم، وبمآثرهم تنجلي الظلم، المعتصم بينهم المعتصم.
[خبر مأثور فى سياسة جند]
يقال: إنّ جندا كانوا بدمشق فطالبوا عاملها برزق استحقّوه وشكوا اليه ضيقة وحاجة، فاحتج بأنّ المال الحاصل للحمل، وأنّه لا يقدم على أخذ شيء منه، وسيقيم لهم وجوها من بعد، ودعتهم حاجتهم الى أن مدّوا أيديهم وأخذوا بعض ما يستحقّون وكتب العامل على البريد الى الحضرة بذلك.
وكان المعتصم بنيّة الغزو وقام يكتب جوابه وقال:
- «انتفيت من الرشيد لئن لم يعيدوا المال الذي أخذوه ساعة وصول هذا الأمر لأجعلنّ وجه الغزاة إليهم [٧١] ولأجعلنّهم حصائد السيوف.» فعاد الجواب أسرع ما يكون إلى العامل فأحضر الجند وقرأ عليهم الكتاب ونظر بعضهم الى بعض وقالوا:
- «هو المعتصم وإنّه يقول ويفعل.» وتبادروا الى ردّ ما أخذوه، فما كان طرفة عين حتى اجتمع المال كأنّه لم يبرح وسألوا العامل التنصل عنهم الى المعتصم وذكر صورتهم التي أحلّت فى أمثالها المحرّمات فكتب بذلك الى الحضرة فأمر المعتصم بالجواب وذمّ فعل العامل وتبيّن خطيئته كيف جنى على السياسة وجرّأ الجند بتأخير أعطيتهم