- «إنّى أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت، وخالفتني. ثم رأيت بعد ذلك رأيا، وأنا الآن أرى أن تصنع الذي رأيت، فتنزعهم، وتستعين بمن تثق به، فقد كفى الله أمرهم، وهم أهون شوكة من ذاك.»
رأى لابن عباس وما أشار به على علىّ
وخرج المغيرة، وتلقّاه ابن عباس خارجا. فدخل إلى علىّ، فقال:
- «يا أمير المؤمنين، أخبرنى [٥١٣] عن شأن المغيرة، ولم خلا بك؟» قال: «إنّه جاءني بعد مقتل عثمان بثلاثة أيام وقال: أخلنى. ففعلت. فقال: كيت وكيت. فأجبته بكيت وكيت. فانصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنّه يرى أنّى مخطئ. ثم عاد إلىّ الآن، فقال: كيت وكيت.
فقال ابن عباس: «أمّا في المرة الاولى فقد نصحك، وأمّا في المرة الأخرى فقد غشّك.» قال له: «وكيف نصحنى؟» قال ابن عباس: «لأنّك تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى تثبتهم، لا يبالون من ولى هذا الأمر، ومتى تعزلهم، يقولوا: أخذ الأمر بغير شورى وهو قتل صاحبنا، وحمّلك ما قدر عليه من الذنب، فتنتقض عليك الشام. ولا آمن طلحة والزبير أن يكرّا عليك.» فقال علىّ: «أما ما ذكرت من إقرارهم، فوالله ما أشكّ أنّ ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها، وأما الذي يلزمني من الحق، والمعرفة بعمّال عثمان، فوالله لا أولّى منهم أحدا أبدا، فإن أقبلوا فذلك خير، وإن أدبروا بذلت لهم السيف.» قال ابن عباس: «فأطعنى، وادخل دارك، والحق بما لك بينبع، وأغلق بابك، فإنّ العرب تجول [٥١٤] جولة وتضطرب، ولا تجد غيرك. فإنّك والله لو نهضت مع هؤلاء القوم ليحمّلنّك الناس غدا دم عثمان.»