فلم يأت الحجّاج قطّ أمر كان أشدّ عليه ولا أغيظ له ولا أوجع لقلبه من هذا الأمر مخافة أن يقبلوا فيعزل عنهم. فكتب إلى عبد الملك:
- «يا أمير المؤمنين، والله لئن أعطيت أهل العراق نزعى عنهم لا يلبثون إلّا قليلا حتّى يخالفوك ويسيروا إليك، ولا يزيدهم ذلك إلّا جرأة عليك. ألم تر وتسمع بوثوب أهل العراق مع الأشتر على ابن عفّان؟ فلما سألهم: ما الذي تريدون؟ قالوا: نزع سعيد بن العاص. فلما نزعه، لم تتمّ لهم السنة حتّى ساروا إليه، فقتلوه. إنّ الحديد بالحديد يقرع. وخار الله لك فى ما ارتأيت والسلام.» فأبى عبد الملك إلّا عرض هذه الخصال على أهل العراق طلبا للعافية من الحرب. فلما اجتمعا مع الحجّاج خرج عبد الله بن عبد الملك [٤٢٠] فنادى أهل العراق وقال:
- «أنا عبد الله بن أمير المؤمنين وهو يعطيكم كذا وكذا.» وذكر الخصال التي ذكرناها.
وقال محمد بن مروان:
- «أنا رسول أمير المؤمنين إليكم وهو يعرض عليكم كذا وكذا.» وذكر هذه الخصال. فقالوا:
- «نرجع العشيّة وننظر.» فرجعوا واجتمعوا عند ابن الأشعث، فلم يبق قائد ولا رأس ولا فارس إلّا أتاه.
[ذكر رأى رءاه عبد الرحمان عند هذه الحال]
لمّا اجتمع هؤلاء كلّهم عند ابن الأشعث حمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:
- «أمّا بعد، أعطيتم اليوم أمرا انتهازكم إيّاه اليوم فرصة، ولا آمن أن يكون على